الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابني الصغير لا يتقبل والده ومتعلق بي، ماذا نفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

بالبداية: أود أن أشكركم على سعيكم في مساعدتنا، جعله الله في ميزان حسناتكم.

مشكلتي: أن ابني لا يتقبل والده، وهذه لها قصة طويلة، أرجو منكم سعة الصدر لسماعها ومساعدتي في حلها.

أنا أم لطفل عمره سنتان وعشرة شهور، وطفلة عمرها سنة واحدة.

عندما كنت حاملاً بابني سافر زوجي للدارسة في الولايات المتحدة، وبقيت أنا عند أهلي للولادة، ثم أخذه والسفر لوالده، بعد الولادة حدثت مشاكل في سفري، اضطررت لترك ابني وعمره أربعة أشهر عند والدتي، وسافرت أنا على أمل عند وصولي نكمل أوراقه، وأرجع لأخذه، ولكن لم أستطع لأسباب كثيرة، منها حملي، المهم أكملنا فترة الدراسة ورجعنا، والتقينا بابني، وقد أصبح عمره سنتين وثلاثة أشهر.

عودته علي في بداية الأمر، ثم أخذته ليتعرف على والده، ويتعود عليه، مرت الآن سبعة أشهر على وصولنا، وابني لديه بعض التردد نحو والده، مع العلم أنه لا يعاني من أي تردد نحوي، ووالده يعامله معاملة جيدة، وحذر جداً في معاملته، يجلب له الألعاب، ويلاعبه، ولا يجعله يشعر بأي شيء غير مستقر، علماً أن ابني لم ير أهلي ووالدتي منذ وصولنا إلى الآن، حتى أنه نسيهم ونسي كل ما يتعلق بهم، وحتى عندما أذهب لزيارة أهلي، آخذ ابنتي فقط، وأترك ابني عند والده.

أضيف معلومة، أن زوجي وأهلي ليسوا على وفاق، ومنع زوجي ابني من زيارة أهلي، وليس ذلك بسبب قطيعته لهم، وإنما لصالح ابني حتى يتعود عليه، وينسى كل شيء يتعلق بأهلي، ويبدأ حياة جديدة.

ابني الآن متقبل والده ويعرفه، ولكن يوماً يميل إليه، ويوماً يتردد منه، يخاف من والده جداً، وإن صرخ عليه أو عاقبه لسلوك غير جيد منه، أجده ينفر منه، مع العلم أنني أعاقبه إذا أخطأ، ولكن لا يتغير شيء من مشاعره وسلوكه نحوي.

اتفقنا أنا وزوجي على أن لا يعاقبه إذا أخطأ، ولا يوبخه أو يصرخ به، وأنا أقوم بهذه الأشياء بدلاً عنه، ثم يأخذه زوجي في حضنه ويهدئه، ولكن بلا جدوى، نجحت الفكرة فترة، ثم رجعت الأمور كما كانت، أغلب الأحيان عندما يجلس مع والده، ولا يجدني قربه، يبكي ويسأل أين أمي، وكأن الذي بجانبه رجلاً غريباً، وبقي لوحده معه، احترت في أمره، وبدأ زوجي يغضب لهذا الوضع، ويصرخ عليه، لأنه يحاول بكل الطرق أن يكسبه، ولكن ابني متعلق بي كثيراً جداً، بالمقابل يخاف ويتردد من والده، وحتى أحيانا يخاف أن يخرج معه وحده، إلا إذا رآني أو رأى أخته معه، يوافق بالخروج معه، مع العلم أنني قضيت فترة قصيرة عند أهلي، وعودته عليه، علماً أن زوجي يتعمد يبتعد عن ابنته المتعلقة به، ويلجأ إليه ويدلعه ويحمله.

أرجو منكم مساعدتي، -من بعد مساعدة ربي- في إيجاد طريقه تقربه من والده.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم قسورة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الموقع، ونشكر لك حسن العرض للسؤال، ونشكر لك الخطوات التي قمت بها من أجل أن يتحبب الولد إلى أبيه، ونؤكد لك أن الأمور ستسير في وضعها الصحيح، ونتمنى من الله -تبارك وتعالى- أن يكون ذلك عاجلاً، ولن يكون ذلك صعبًا، فقط الوالد ينبغي أن يتفهم ولا يغضب منه ولا يتعصب - كما قلت -، لأن محاولاته باءت بالفشل.

نحن نؤكد أنه يحب الوالد، ولكن والده ينبغي أن يشكل حضورًا أكبر معه، ولا نؤيد فكرة إذا صرخت فيه يدلعه الوالد، بل ينبغي أن يكون هناك أيضًا تنسيق في مسألة المرفوض والممنوع، فمثلاً مسألة أن يُغضب طرفاً الطفل، والطرف الثاني يدلعه، هذا ليس في مصلحة الطفل على المدى البعيد، ولكننا نريد لوالده أن يتواصل معه، وأن يستمر في هذا البرنامج، وألا يُعطي المسألة أكبر من حجمها، وأن يحاول أن يلاطفه، بأن يمسح على شعره، وأن يقبِّله، وأن يحمله، وأن يجعله ينام إلى جواره في بعض الأحيان، وأن يأخذه أيضًا ولكن بهدوء، ليس بالهجوم عليه أو بالإصرار أن يخرج الآن، يترك هذه المسألة براحته.

لذلك نحن نرى أن المسألة -إن شاء الله تعالى- ليس فيها إشكالات كبيرة، ولا شك أن غياب الوالد في الفترات الأولى وسفره وبُعده، هذا قطعًا له أثر كبير جدًّا، كما نتمنى أن يُدرك الجميع أن الطفل قد يخاف من الصوت العالي، قد يخاف من بعض التصرفات، قد يخاف من مواقف شاهدها للوالد مع آخرين، كأن يكون رجلاً عصبيًا، أو ينفعل، أو أي شيء من ذلك، فهو ينبغي أن يراعي السلوكيات الأخرى، لأن الطفل يأخذ من غير تصفية، كل ما يُشاهده يتأثر به، حتى الصوت العالي المرتفع لو تكلم به إنسان، فإن هناك من الأطفال من يخاف وينفر ممن يتكلم بالصوت العالي.

كذلك الطفل قد ينفر ممن يهجم عليه هجومًا، يعني بعض الآباء يصر أنه الآن لا بد أن يُحبه، الآن لا بد أن يقبله، لا، ولكن ينبغي أن يتدرج، حتى الهدية لا نريد أن يغصبه عليها، ولكن يضع الهدية في مكان، يناديه ويضع الهدية في مكان واضح، فالطفل في اليوم الأول سينظر إلى الهدية، وفي اليوم الذي بعده ربما يأخذها، وإذا رفضها لا يلح عليه، وفي اليوم الثالث يضع الهدية في يده ثم يطلب منه، يعني التدرج في هذه المسألة.

ولذلك نحن نستغرب بعض الناس حتى الزائرين، يهجمون على الأطفال فيهربون منهم، الصواب أنه إذا دخل إلى بيت ولاحظ أن الطفل يخاف منه، لا يُجبره على السلام، ولكن يحيه ويبتسم له، وحتى لو أراد أن يأخذه ليعطيه حلوى، فإن هذا يزيد المسألة تعقيدًا، ولكن من الصواب أن يضع الحلوى في مكان ما، ويقول: (خذ هذه يا بطل)، يتحرك الطفل في خطوات هادئة، ويأخذ الحلوى، ثم بعد ذلك يبدأ يألف هذا الإنسان، قد يكون في الزيارة الرابعة أو الخامسة.

هذا شيء موجود عند الأطفال، فلا تنزعجوا من هذه المسألة، وينبغي لهذا الأب أن يُدرك أن هذه مرحلة، وطبعًا المرحلة الأولى الأم هي التي تكسب الجولة فيها، لكونها التي تحضن وتُرضع، والطفل غالب الوقت معها، فلا ينبغي للأب أن ينحرج من هذه المسائل، وكذلك أيضًا ينبغي أن تجعلي الأمر عاديًا، فإن انزعاجكم وخوفكم الزائد هذا يعمّق هذه المسألة.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والهداية، ونكرر شكرنا على هذا السؤال.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً