الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل من حل عملي لوسواس النية في الطهارة والصلاة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا امرأةٌ مُحافظة ومن أسرةٍ محافظة -ولله الحمد-، قبل ثلاث سنوات تقريبا ظهرت لي أمور حيث كنت أعيد الصلاة كثيرا، إما لشكي بعدم ذكر تسبيحة أو تكبيرة، أو عدم قيامي بالسجدة الثانية، أو غيرها، ثم ازداد الأمر حتى أصبحت أعيد الوضوء إما لشكي بعدم غسلي لعضو، أو أن الماء لم يصل، وغير ذلك، وقد أتوضأ ثم أشك بانتقاض وضوئي وهكذا، واستمر معي ذلك لفترة لا أذكرها، لكنها كانت مدة طويلة حتى أني لا أنهي الوضوء والصلاة إلا بعد جهد جهيد، وأشعر بعدها وأثنائها بتعب شديد.

بدأت بعدها بالبحث في الإنترنت عما أصابني، وعلمت أخيرا أنه الوسواس، حيث أني لم أكن أعلم أن هناك وسواسا في الصلاة والوضوء، ولم أخبر أحدا بما أصابني حيث أني كتومة، وكنت في كل مرة أتعذر بأعذار مختلفة عن سر إطالتي في دورة المياه، أو إطالتي في الصلاة، ثم ازداد الأمر وأصبحت أجد صعوبة في نطقي للفاتحة، وتطور أكثر حتى أصبت بوسواس النية، والآن -ولله الحمد والمنة- استطعت التغلب على جميع الوساوس بنسبة 90%، إلا أن وسواس النية هو ما يزعجني، فلا أستطيع الوضوء أو الصلاة أو الغسل إلا بتركيز شديد وهدوء، وبعد أن أتعوذ من الشيطان وأذكر الله، وإذا لم أفعل ذلك لا أستطيع أداء العبادة، وقد أبدأ ثم أقطع لشكي مثلا بعدم نطق البسملة في أول الوضوء بشكل صحيح، أو أني نويت قطع الوضوء أو الصلاة أو الغسل، وفي بعض الأحيان أقطع النية بإرادتي.

أيضا عند إرادتي البدء في الصلاة أشعر بطعم الطعام الذي أكلته في حلقي وفمي، وأحاول كثيرا التخلص منه، والتخلص من إفرازات الفم -أكرمكم الله-، وهذا أمر يزعجني كثيرا، لقد أصبحت قلقة وعصبية، وأثر ذلك على نفسيتي وعلى حياتي الزوجية، ولا أنتهي من وضوء أو صلاة حتى أفكر في الصلاة التي بعدها وكيف سأقوم بها وأؤديها، فما الحل جزاكم الله خيرا؟ حيث أني لا أفضل استخدام الأدوية أو الذهاب لطبيب.

أريد منكم:
أولا: أن توضحوا لي حلا عمليا تفصيليا في مسألة وسواس النية دون إرجاعي لفتاوى سابقة، حيث أني قرأت أغلبها وحفظتها أيضا، هل أتم الوضوء أو الصلاة أو الغسل حتى لو شعرت بقطعي للنية؟ وإذا قطعتها بإرادتي، هل أكمل وتكون عبادتي صحيحة؟

ثانيا: أن توضحوا لي حلا عمليا في مسألة ما يبطل الصلاة من بقايا الطعام وإفرازات الفم -أكرمكم الله-.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمةَ- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك العافية، وأن يعجل لك بالشفاء من الوسوسة، فإنها داء وشر مستطير، وإذا تسلطت على الإنسان أفسدت عليه حياته، وأوقعته في أنواع من المشاق والمتاعب.

ولهذا فنحن نصيحتنا لك أن تبذلي وسعك في التخلص من هذه الوسوسة، وذلك لن يكون إلا بالإعراض عنها كُليَّةً، وعدم الاشتغال بها، والجري وراء تفاصيلها، فإذا تركت الوسوسة وأعرضت عنها فإن الشيطان سييأس منك ويتحول إلى غيرك، فاستعيني بالله سبحانه وتعالى، واعلمي تمام العلم أنه سبحانه وتعالى لا يُحب منك الجري وراء هذه الوساوس، ولا العمل بالاحتياط والورع الذي يحاول الشيطان أن يُزينه لك، فالله تعالى لا يريد ذلك منك ولا يرضاه، بل يأمرك سبحانه وتعالى بأن لا تتبعي خطوات الشيطان، كما قال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان} فما شرعه الله تعالى لك من التيسير والتسهيل العمل به هو ما يحبه الله تعالى ويرضاه، فاعملي به تفوزي براحة نفسك وبرضا ربك.

إذا أيقنت بهذه الحقيقة يقينًا جازمًا، سهل عليك بعد ذلك أن تُعرضي عن هذه الوسوسة، فإن الشيطان يدخل إلى قلبك من باب الاحتياط والورع والاهتمام بشأن الدين، وما إلى ذلك من المعاني التي يُزينها في نفسك لتعملي بما يُمليه عليك من الوسوسة، فأعرضي عن ذلك كله، فإذا أتيت إلى الوضوء فإن قصدك لهذا الفعل هو النيّة، ولا داعي بعد ذلك لأن توسوسي هل نويت أم لم تنوي؟ فإن أي أحد لو سألك: لماذا تغسلين وجهك؟ لقلت: لأنني أريد الصلاة، وهذا هو القصد الذي يُسمى بالنيَّة، فلا داعي إذًا لهذه الوساوس. وإذا حاول الشيطان أن يوسوس لك أنك لم تنوي، أو أنك لم تفعلي كذا في صلاتك، فأعرضي عنه، والفقهاء ينصون على أن من كثرت منه الشكوك لا يلتفت إلى شكوكه، وهذا من رحمة الله تعالى وتيسيره على عباده، فإذا ثبتِّ على هذا الطريق، فنحن على ثقة تامة من أن الله عز وجل سيشفيك ويُذهب عنك هذا الداء.

وقولك (إذا قطعت النية بإرادتي) إن كنت تقصدين أنه تُملي عليك الوساوس ذلك، فتتوهمين أنك لم تنوي فتعيدين النيَّة من جديد، فهو لا يزال ضمن كلامنا السابق، ووصيتنا فيه كما سبق وكما تقدم أن لا تلتفتي إلى ذلك، أما إذا قطع الإنسان نيته عن اختيارٍ منه وليس تحت إلجاء الوساوس إلى ذلك، وكان في صلاةٍ مثلاً فقد انقطعت هذه الصلاة، لأنها لا تصح إلا بالنيَّة، وأما الوضوء فإنه إذا فعل ذلك أثناء وضوئه، فإن ما سبق من الوضوء لا يبطل، ولكن إذا احتاج أن يُكمل الوضوء فإنه لا بد أن يستأنف النيَّة، وهكذا، ولكن نصيحتنا لك ألا تلتفتي لهذا كله، فإنه ليس معك إلا وساوس وشكوك.

أما ما يُبطل الصلاة من بقايا الطعام وإفرازات الفم، فإن الشيء اليسير الذي لا يُمكن مجُّه –أي لا ينفصل عن اللُّعاب– قد رخص فيه بعض العلماء ورأى أنه لا يُبطل الصلاة، أما ما يمكن مَجُّه ورميه فلا يجوز ابتلاعه أثناء الصلاة، وإلقاؤه وقذفه أمر سهل يسير. ونخشى أن يكون هذا أيضًا من الوساوس وآثارها، ولذلك فإنا نكرر نصيحتنا السابقة.

ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته أن يأخذ بيدك إلى كل خير، وأن يعجل لك بالعافية والشفاء.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً