الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الغيرة مما عند الناس والسلبية الاجتماعية تؤلمانني وتسرقان راحتي

السؤال

السلام عليكم

كتابتي لكم ليست إلا طلب مساعدة لمشكلتي، منذ سنتين وأنا ألاحظها، كنت إنسانة إيجابية ولا أظن السوء أبداً بأحد، أخلاقي عالية والكل شاهد من أيام الدراسة ومن الأهل، وحتى الآن -ولله الحمد-، ولا أبالي بأي شيء كان يغضب من حولي، كنت أفكر فيه أنه تافه لا يغضب والجميع يقول عني (عندك برود وعدم إحساس)، وكنت أشكر الله عليه، لأني أنظر إلى هذا على أنه راحة نفسية لي.

حدثت مشكلة بسيطة بين أمي وأخواتها، وبعدها كانت أمي وأختي تتحدثان عن خالاتي، وماذا يفعلن؟ أنا أكره الحديث عن الناس وحتى الآن أشعر بضيق قوي في صدري، لا أنهاهما ولا أتحدث معهما في الموضوع، لأنهما أمي وأختي الكبرى، كيف بالصغيرة أن تنصح الكبار؟ كان عمري 18 سنة.

والآن عمري 23 سنة، حدثت تغيرات لي تضايقني جداً، أولها أصبحت أشاركهما الكلام مع شعور بالضيق، ولكن أتجنب الحديث كثيراً عن الناس، لأنه لا يجوز ومحاولة للحفاظ على أخلاقي، وخير الحديث ما قل ودل.

ثانيا: ظهرت لدي الغيرة من الناس، فأقرب صديقاتي أغار منها، صديقتي منذ 12 عاما، مع العلم أن شعور الغيرة لم أشعر به من قبل أبدا مع أي شخص إلا الآن وبعد زواجها من رجل غني، مع علمي أن الله الذي رزقهما وبيده أن يرزقني أضعافا، أنا لا أتمنى زوال النعمة منهما، ولكن أريد أن أكون أفضل، أصبحت أتجنب الحديث معها كي لا أغضب، لا أعلم أأنا التي تغيرت أم هي؟ أكثر حديثها مادي وعن المشتريات، وأقول لنفسي: إن المال ليس هو كل شيء في الحياة، فهم سيسألون عن مالهم يوم القيامة أين أفنوه؟

خطيبي أقل منه، وأصبحت أقارن نفسي بها، لا أريد هذا لي؛ لأني لا أشعر براحة كما كنت، وأقنع نفسي بما أحتاجه فقط هو سعادتي من خطيبي وحياتي الجديدة، فالغيرة أمر مكروه وصعب العلاج، ولا أريد أن تتطور الحالة وأصبح أغار من أهلي، لأنه أمر متعب جداً.

وثالثا: أكره أياً كان أن يسأل: أين ذهبت؟ وماذا فعلت؟ لأنها أسئلة مستفزة، وجوابي لهم: ما فائدة الجواب إذا علمتم؟ ولا أتحدث مع الجميع عن حياتي لأني أعتبرها خاصة.

في الأخير: سلبيتي الآن وشعور الغيرة هما محور ألمي، وأحتاج إيجابيتي السابقة ولامبالاتي.

وعذراً على عدم ترتيب الكلام.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نورة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك في استشارات الشبكة الإسلامية، ونتمنى لك دوام الصحة والعافية.

أولاً: قبل الإجابة على أسئلتك التي وردت في الاستشارة، نقول لك لا بد من معرفة الفروق بين المصطلحات التالية وهي: الغبطة– الحسد– الغيرة– المنافسة. حتى تري الوضع الذي ينطبق على حالتك. فالغبطة هي أن يرى الغابط المغبوط في حال حسنة، فيتمنى لنفسه مثل تلك الحال الحسنة، من غير أن يتمنى زوالها عنه، وإذا سأل الله مثلها فقد انتهى إلى ما أمره به ورضيه له، وأما الحسد فهو أن يشتهي أن يكون له ما للمحسود، وأن يزول عنه ما هو فيه أي يتمنى زوال نعمة الغير، وقد تسمى الغبطة حسدًا كما جاء في حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار في حقه) والغبطة محمودة والحسد مذموم.

أما المنافسة فهي إرادة أو تمني المساواة بالغير، واللحوق بهم في النعم وفي أعمال الخير، وقد تكون محمودة إذا عملت كدافع أو حافز يدفع الإنسان إلى التقدم والتطور وطلب الكمال، وقد تكون مذمومة إذا لم تكن شريفة، وصحبتها مشاعر الحسد والغيرة المرضية التي تدمر صاحبها.

أما الغيرة فهي شعور أو انفعال مركب يجمع بين حب التملك والغضب، وهي كراهية شراكة الغير في حق. وتحدث عند الأطفال والكبار والنساء والرجال بل حتى عند الحيوانات -أعزك الله-، لذلك هو سلوك فطري مثله مثل الانفعالات الأخرى. الغيرة المحمودة هي غيرة المسلم على حرمات الله، وغيرته على محارمه، فالديوث هو الذي لا يغضب ولا يغار على عرضه. ومن مميزات الغيرة صيانة وحماية الأعراض، والغيرة المذمومة هي الغيرة المرضية التي تتعدى الحدود، فالغيرة بين الزوجين دليل على الحب إذا كانت في المستوى المطلوب، أما إذا أدت إلى الشك فقد تهدم الحياة الزوجية.

فنقول لك -أختي الكريمة- : لا تقارني نفسك بالآخرين في أمور الدنيا، ولا تنزعجي بما يملكونه من قدرات وإمكانيات وصفات، فهذه وهبها الله لهم وهو القادر على أن يهبك أكثر و أفضل، فالطلب يوجه إلى مالك الملك فهو المغني والمعطي وبيده كل شيء.

ثانياً: لا تفسري مراقبة أسرتك لك أو منعك من الخروج، أو الكلام مع صديقاتك بأنه شيء ضدك بل هو بالتأكيد نوع من الحرص عليك وعلى سمعتك، فهم بحكم سنهم وخبراتهم في الحياة سمعوا كثيرا من تجارب الآخرين، وكثيرا من الحوادث حولهم، فهذا كفيل بأن يجعلهم حذرين ومتخوفين من أي سلوك يصدر منك، مع العلم بأنك بعيدة كل البعد عن كل ما يشين سمعتك ويشكك في أخلاقك. وربما يكون أسلوب الوالدة وطريقتها في التعبير عن ذلك غير مرضية بالنسبة لك، فخذيها على حسب فهمها، وحاولي أن تصارحيها وتناقشيها في كل صغيرة وكبيرة لكي تكسبي ثقتها، فإذا وثقت فيك فيتغير الوضع -إن شاء الله-، وهذا يتطلب اجتهادا منك بعدم فعل أي سلوك يؤدي إلى الشك، بل مارسي حياتك بصورة عادية أمامها ولا تكذبي أو تتحايلي عليها، لأنها إذا اكتشفت ذلك فستفقد الثقة فيك ويزداد الأمر سوءاً.

ثالثاً: للتغلب على السلبية وتحسين العلاقة مع الآخرين يمكنك الاسترشاد بالآتي:

1- اسعي في مرضاة الله، فإذا أحبك الله جعل لك القبول بين الناس.
2- ينبغي أن تتصالحي مع نفسك وتتحرري من هواها، وتثقي في قدراتك وإمكانياتك واعتزي بها، ولا تقارني نفسك بالآخرين في أمور الدنيا.
3- كوني نموذجاً في الأخلاق واحترمي قيم وآراء الآخرين.
4- أفشي السلام على من تعرفين ومن لا تعرفين، وساعدي من يطلب منك المساعدة، واعرضي مساعدتك على من يحتاج للمساعدة.
5- قدمي الهدايا لمن حولك حتى ولو كانت رمزية، فإنها تحبب فيك الناس، وازهدي فيما عندهم.
6- بادري بمواصلة الآخرين في مناسباتهم الاجتماعية، وشاركيهم في مناسباتهم السارة وغير السارة.
7- أحسني الظن دائماَ في الآخرين إلى أن يتبين لك العكس.
8- للمحافظة على العلاقة مع الآخرين ركزي على هذه النقاط التالية:

أ‌- المعرفة، أي تقصي الحقائق وجمع أكبر قدر من المعلومات قبل الحكم على الأمور.
ب‌- النظرة الشمولية للمواقف التي تحدث بينكم.
ج- التماس العذر للطرف الآخر في حالة عدم التزامه بالمطلوب.
د‌- التحرر من الهوى وتحكيم العقل قبل العاطفة.

وفقك الله وسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • العراق زائرة

    نصائح مفيدة جدا اذ اني اعاني من نفس الحالة ...
    وفقكم الله و رعاكم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً