الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي يرفض التحاقي بكلية الشريعة.. ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله كل خير، وأحسن الله إليكم.

تخرجت العام الماضي من الثانوية العامة، وكانت رغبتي إكمال المرحلة الجامعية في كلية الشريعة، وذلك من أجل تحقيق أمنيتي، وهي أن أصبح طالبة علم داعية لله، لم يتقبل والديّ الفكرة ورفضا ذلك بحجة أنه لا يوجد ملتزم في عائلتنا، وأنني سأكون شاذة بينهم، هداهم الله ورزقهم الفردوس الأعلى، وجعلني ممن يلبس والديه تاجًا في الجنة.

بعد تخرجي انتقلنا للعيش في مدينة أخرى، وهي المدينة المنورة مدينة الرسول - صلى الله علية وسلم- على الرغم من فراقي لصديقاتي، إلا أنني أحببت الفكرة حيث إنني سأستطيع تحقيق أمنيتي لدى وصولنا شعرت بنفحات إيمانية لم أشعر بها من قبل، كانت تقام في المسجد دورات رق قلبي فرحاً بها، وتوجهت إلى والدي لأخبره برغبتي بحضورها، فرفض ذلك بحجة أنه منشغل، وليس لديه وقت لذلك، حاولت معه عدة مرات، وكان دائماً يرفض ذلك، بعد ذلك قدمت أوراقي للجامعة للدراسة، ولكن لم أقبل، هنا انتكست حالتي للأسوأ.

حمدت الله على ما حدث تمكنت خلال هذه الفترة أن أختم القرآن الكريم بمساعدة صديقتي، وقد شعرت بالحزن؛ لأن والداي لم يشاركاني هذه الفرحة حيث فضلت ألا أخبرهم بذلك، فأنا لا أريد الإطراء والمدح من قبل الناس، على الرغم من ذلك لم أستسلم فحاولت مرة أخرى معهم من أجل لالتحاق بحلقات التحفيظ، أو حتى الحلقات الدعوية، ولكن للأسف لا يزالون على رأيهم، حاولت تفهم سبب رفضهم فهم يخشون عليّ من نظرة الناس بالمتشددة، وأنه لن يتقدم أحد للزواج بي، وقد قام بعض أقاربي بتحريضهم عليّ مما زاد من قسوتهم لي دون أن يشعروا.

بعد فترة وافقت والدتي أن أقدم على دورة علمية، فذهبت وأنا في كامل سعادتي قدمت الاختبار، ولا زلت بانتظار النتيجة، والآن أنا أريد شراء بعض الكتب الدينية، فرفضوا ذلك بحجة إضاعة المال، حيث إنني لا أستطيع التركيز في الدروس المعروضة على شبكة الإنترنت.

عندما أشاهد طلاب العلم، وهم يذهبون للحرم المدني لتلقي الدروس، أبكي من تحت الخمار -أدام الله عليهم النعم- يتمزق قلبي مع كل صوت عالم يعزز الهمة بطلابه جعلهم الله ذخراً للإسلام والمسلمين.

برأيكم ما هو الحل؟ فأنا أحتاج إلى رد يهدئ لي قلبي؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حلم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يُكثر من أمثالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يعينك على طلب العلم الشرعي، وأن يشرح صدر والديك لمساعدتك في ذلك، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يمُنَّ عليك بخيري الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن موقف أسرتك ليس بالجيد، وليس بالمشجع، بل هو محبط مع الأسف الشديد؛ لأن الخوف هذا قد يكون في محله لو لم تكن هناك وسائل بيِّنة واضحة، أو كان العلم الذي ستطلبينه علم غير شرعي، أو كان هناك نوع من الاختلاط أو الفساد في البيئة، ولكن أنتم -ولله الحمد والمنة- في أطيب بقعة على وجه الأرض، ووسائل تلقي العلم عندكم سهلة ميسورة، والدورات كما ذكرت موجودة في المسجد النبوي على مدار الساعة، والطريق آمنة، ووسائل التعلم آمنة ومتاحة، فأرى أن عذرهم غير مقبول حقيقة، وأرى أن خوفهم في غير محله.

ولذلك أنا أتمنى أن تناقشي الأمر معهم مرات ومرات، ولا مانع أيضًا من أن توسّطي بينك وبينهم أحدًا ممن له تأثير على قرار الوالد أو الوالدة؛ لأن الأمة كما أنها في حاجة إلى طلبة العلم من الرجال فهي أيضًا في أمس الحاجة إلى طلبة العلم من النساء، ولعلنا في أمس الحاجة أكثر وأكثر إلى الأخوات الملتزمات الواعيات الفاهمات لدينهنَّ فهمًا صحيحًا بفهم سلف الأمة عليهم رحمة الله تعالى ورضوانه.

فهذا الموقف يضيع فرصة عظيمة حقيقة ليست عليك أنت شخصيًا، وإنما على الأمة المسلمة كلها، بدلاً من أن تكوني مشروعًا عالمة كبيرة يفتح الله لك، ويفتح الله بك، ويفتح الله عليك، وينفع بك البلاد والعباد تتحولين إلى إنسانة مهملة بسيطة، دورك محدود حتى وإن كنت ستتزوجين، فلن يعْدُ دورك أن تكوني أُمًّا وأن تكوني زوجة، أما أن تكوني طالبة علم شرعي فإن الله تبارك وتعالى سيفتح أمامك الآفاق، ويجعل خيرك يتعدى حدود البلاد، بل لعل الله أن ينفع الناس بك نفعًا عظيمًا.

أسرتك تضيع فرصة كهذه على الأمة حقيقة، ولكن ماذا ستصنعين وأنت فتاة الأصل فيك أن تسمعي فتُطيعي، والأصل فيك ألا تعارضي، والأصل فيك أن تكوني هادئة وأن تكوني لطيفة مع والديك؟! هذه كلها أشياء جميلة ورائعة ومطلوبة، ولكن ليس إلى درجة أننا نضيع فرصة لتعلم علم شرعي متاح ومقدور عليه وممكن، وخاصة أنه لا يوجد هناك أي محاذير نخاف منها، من الممكن أن يكون هذا الخوف في محله – كما ذكرت – لو أن العلماء أو الذين يعلمون الناس ليسوا على العقيدة الصحيحة، أو أن أخلاقهم فاسدة، أو أن هناك اختلاطًا بين الرجال والنساء، هذا من الممكن، أما في بيئتكم فأرى أن هذا كله غير موجود ولله الحمد، ولكن هي الأفكار الموروثة التي ورثناها جيلاً عن جيل وكابرًا عن كابر، ولم نجلس مع أنفسنا لنناقشها لنرى هل هي صائبة، أم خاطئة.

لذا أقول: حاولي، واستعيني بالله تبارك وتعالى عليهم بأن تُكثري من الدعاء أن يشرح الله صدورهم لذلك، ولا مانع كما ذكرت – يا بُنيتي – أن توسّطي أحدًا بينك وبينهم لعله أن يؤثر على قرارهم، فإن يسَّر الله وشرح صدروهم ووافقوا فهذه نعمة من الله عظيمة عليك، وعلى المسلمين جميعًا، وإن قدرَ وأصرَّوا على موقفهم ورفضوا تمامًا هذه المسألة فأنا أقول: ليس هذا الأمر هو الذي به نصل إلى قطع الرحم، أو عقوق الوالدين، وإنما عليك بالصبر الجميل، وعليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يمُنَّ الله عز وجل عليك بتفريج كربتك في أقرب وقت.

فإذًا عليك – بارك الله فيك – كما ذكرت بالدعاء في كلا الحالتين، وعليك بالصبر الجميل، واعلمي أنك إن صبرت على والديك وعلى موقفهما فإن الله سيعطيك أجر ما كنت ستتطلبين العلم كاملاً غير منقوص؛ لأنك تركت هذا لله، وفي مرضاة الله، وابتغاء ما عند الله.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً