الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحتاج إلى الحنان والاهتمام اللذان حرمت منهما منذ صغري، فكيف أعوض الماضي؟

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة بعمر 17 سنة، منذ أن كنت في التاسعة من عمري وأنا أحس بالوحدة، لأن أمي وأبي كانت بينهما مشاكل كبيرة تؤدي بهما إلى القرار بالطلاق، ويعانيان من أمراض نفسية، كنا نحن أطفالهما ضحايا حالتهما دائماً، وأنا كنت أتخيل لو كانت عندي أم تحبني وتحضنني وأنام جنبها وتحكي لي قصة وتدلعني، وأب أكون صديقة مقربة منه، قبل أن أكون ابنته، لكن للأسف، لم يكونا كذلك.

صرت أحب فنانة لبنانية، وأتخيل أنني ابنتها، ولم يتوقف هذا الشيء على التخيل، بل زاد عن حده حتى وصل إلى مرحلة الهوس، وصرت أقرأ الكثير عن ابنة هذه المغنية اللبنانية المشهورة، وأتمنى لو أكون أختها، وأتخيل المواقف بالتفصيل الممل، وليس هذا وحسب، بل صرت أرفع يدي إلى ربي وأقول له: يا رب اجعلني بقدرتك ابنة الفنانة وأخت لابنتها الوحيدة، واجعلني جميلة مثل ابنتها.

عندما علمت أمي بكل هذا، أصبحت تعاملني بوحشية وعنف، وأصبحت تهينني وتحتقرني، وأختي الكبرى أيضاً، وأبي كان يضربني في الوقت الذي كنت أحتاج فيه إلى الحنان، ولا أحد يقول لي: أنا معك ولن أتركك، لكن للأسف لم أسمع هذه العبارة في حياتي من أهلي، كرهتهم كثيراً وتمنيت الموت، وحاولت الانتحار، ومع ذلك لم يهتموا.

ما أتمناه أشياء حقاً بسيطة، لكنها صعبة عليهم، وليست من واقع حياتهم، كنت أتمنى فقط أن أعيش في بيت جميل ونظيف، وأبي بمقدرته أن يفعل هذا، مع العلم أن راتبه الشهري 8000، وكنت أتمنى أن تكون حياتي طبيعية، مثل كل الناس الذين يضحكون ويبتسمون فجاة، وليس لديهم عقد في حياتهم.

أمي وأبي ليس لديهما أصدقاء، وهما وحيدان ويكرهون الناس، ويخلقون العداوات معهم، ولا أحد يزورنا حتى في العيد، لأن أهلي ليسوا طبيعيين، وكانت أمي تنتقدني دائماً، ولم تقل لي كلمة جيدة في يوم من الأيام.

لكنهما الآن تغيرا في معاملتهما لي، ولكن المشكلة أنني لا أستطيع أن أنسى ما فعلاه، أحس بأنني أكرههما، وأود الهرب منهما حقاً، لأنه لا فائدة من المجىء بعد فوات الأوان، أين كانا وقت كنت أريدهما، تعقدت من مدينة الملاهي، لأنني عندما كنت صغيرة لم ألعب فيها، تعقدت من السلم الكهربائي لأنني لم أصعد عليه قط، عندما كنت صغيرة.

يقولون لي: أنت لا زلت صغيرة لما لا تفرحين؟ لكنني لا أستطيع فعل أي شيء لم أتعود عليه، وإن كنت أحبه، قلبي يرتجف إذا فكرت في فعل شيء غريب لم أعتاد عليه، كاللعب في الملاهي، أو زيارة صديقة في منزلها، أو الخروح في رحلات، حتى لبس الثياب الجميلة، كل شيء أحبه صرت لا أستطيع القيام به، مثلاً صديقتي دائماً تقول لي: أريد أن أراك، لكنني أقول لها ليس الآن، في يوم آخر، أهرب منها، وأختلق الأعذار، لا أعرف لماذا؟ مع أنني في داخلي أريد رؤيتها، لكن عقد أمي وأبي انتقلت لي حقاً.

وبعد كل هذا تأتي أمي لتحتقرني كلما مرت بي مشكلة سواء في البيت أو في المدرسة، تقول لي: أنت سيئة، وأنت المخطئة، وكل الناس يكرهونك وسوف ينفرون ويهربون منك، وأنا حقا أتحطم، أصبح في داخلي سواد عظيم، لا أعرف كيف أمحيه؟

فتاة في عمري من المفترض بها أن تحب، لكنني أكبر وفي داخلي طفلة لا تزال تريد الحب والحنان، حتى قبل أن أنام أتخيل أنني مع صديقاتي، وأنهن يعاملنني كطفلة، وهذا الشيء يجعلني أشعر كما يشعر من ينزل منه المني أو المذي، وأحيانا يحدث لي هذا الشيء عندما أستيقظ، وإلى الآن لا أزال أرى تلك الفنانة هي الأم المثالية لي وأحبها حقاً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فرح حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك ونشكر لك هذا السؤال الذي يعطينا مؤشرات هامة بأنك في الطريق إلى العافية، وقد أسعدنا هذا التواصل مع موقعك الذي فيه مستشارين ومستشارات يقومون مقام الآباء والأمهات، ونسأل الله أن يوفقك وأن يرفعك درجات وأن يعينك على كسر القيود الوهمية، وأن يصلح لنا ولك الوجهة والنية.

ما حصل من والديك مزعج حقا، ولكن ما تفعلينه مع نفسك كان أخطر، وأنت -ولله الحمد- الآن في عمر من تعطي وتأخذ وتفهم وتتفهم وتملك القدرة على التأقلم، والدليل على ما نقوله هو الأسطر التي بعثت بها إلى موقعك.

أعجبنا اعترافك بأن معاملتهما تغيرت معك، ولكن يؤلمنا أن تصري على العودة إلى الوراء، وهذا ما يفسر خصام الوالدة معك؛ لأنها تريد لك أن تتحسني، وهي بلا شك أدركت تقصيرها، ولكنها تنتظر منك التقدم، ورغم أننا لا نوافق على تقصيرها السابق، ولا على قسوتها الحالية، إلا أننا نؤكد لك أنه لا يوجد والد ولا والدة إلا وهما يحبان أبنائهما، ولكن الإشكال في عدم معرفة بالحاجة الفعلية للأبناء من حيث مقدار العواطف، ولا من حيث طرائق التعبير عن الحب، وغالباً ما يظنان أن التعبير عن الحب يكون بتوفير الاحتياجات، وهذا قطعا لا يكفي، فالتعبير المباشر مهم جداً، وكذلك القبلات والاحتضان ومسح الرأس والابتسامة ولغة العيون، وغير ذلك من المواقف والحركات التي يمكن أن تدل على الحب.

ومن هنا فنحن ندعوك لما يلي:
1- التوجه إلى الله بالدعاء وإصلاح العلاقة بينك وبينه، ليصلح لك ما بينك وما بين الناس.
2- طي صفحة الماضي، والتعوذ بالله من شيطان يذكرك بها، لأن هم الشيطان أن يحزن أهل الإيمان.
3- الارتباط بصديقات صالحات قريبات بدلاً عن فنانة وابنتها، لأنك لا تعرفين من أحوالهن إلا ما يظهره الإعلام.
4- القناعة بأن الله وهبك مقداراً من الجمال، فكل فتاة جميلة بأدبها وأخلاقها وحيائها، ولها من سيعجب بها، ولولا اختلاف وجهات النظر لبارت السلع، وأن الجمال مقسم، ونعم الله كلها مقسمة، والسعيدة هي التي ترضى بما عندها، وتشكر فتنال بشكرها المزيد من الله القائل: " لئن شكرتم لأزيدنكم".
5- الإقبال على الوالدة وإشعارها بحاجتك للدفء والدلال، والسعي في برها، وكذلك بذل الحب لمن حولك من الصغار والصديقات، فالحب أخذ وعطاء، والإنسان يسعد إذا حب وأحبه الآخرون.
6- البحث عن عناصر القوة في نفسك والتي منها هذه القدرة على الفهم والتحليل والفهم لأسباب ما حصل.

هذه وصيتنا لك بتقوى الله، ونسعد جداً بتواصلك معنا، وإخراج ما في نفسك ونتمنى أن تتواصل معنا والدتك أوصديقتك لتستمع التوجيهات والنصائح، ونسأل الله أن يسعدك ويوفقك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً