الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطيبي مناسب لي من كل النواحي لكن غير جاهز من ناحية عمله واستقرارنا

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

في البداية أشكركم على تعاونكم الرائع، جعله الله في ميزان حسناتكم.

أنا مخطوبة لشاب مميز بأخلاقه وعقله وطيبته وإخلاصه، لكن مشكلتي هي الانتظار، فهو غير جاهز من ناحية العمل والاستقرار، لا سيما أنه يبحث عن عمل في بلد أوروبي ولن يستطيع أن يلم شملنا قبل أن يحصل على عمل وإقامة، وقد انتظرته ما يقارب السنة والمستقبل لا يزال مجهولا، وأنا أشعر أني في سباق مع الوقت دائما وهذا يسبب لي قلقا، أفكر متى سأنجب؟ ومتى سأبدأ بعملي؟ أموري كلها متوقفة إلى أن أسافر له.

وما يزيد قلقي أنه كان قد تقدم لي عرسان جاهزين مستقرين، وكان بإمكاني خلال فترة قصيرة أن أتزوج وأبدأ حياتي العملية، ولكن رفضت لأنني أعلم أن خطيبي سيتقدم لي بعد فترة وكنت أنتظره، الندم يراودني أحيانا لأنني وافقت على شاب وأنا أتوقع أنني سأنتظره وأن المستقبل مجهول، ولكن أرد على نفسي أنه يستحق الانتظار ولن أجد من هو أحن علي وأكثر حبا لي منه، كيف أتخلص من هذه الأفكار المزعجة؟ ومن الندم الذي أشعر به بعد الكثير من قراراتي وليس فقط ما يتعلق بزواجي؟

هل كان اختياري صحيحا لخطيبي؟ أم كان علي أن أوافق على من يؤمن لي الاستقرار دون انتظار؟ وهل يحق لي أن أعتبر سنوات الانتظار ضائعة من حياتي؟ وأن أشعر بالحسرة عليها؟ علما أن خطيبي مناسب لي من كل النواحي ومتفوق علميا وفكريا، وهناك تقارب في المستوى العلمي والاجتماعي والديني بين عائلتينا والحمد لله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ربيعة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنَّا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوصِ ما تفضلت بالسُّؤال عنه فإنَّنا نحبُّ أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: الحزن والندم من مبتغيات الشيطان، يريد عدو الله أن يشعرك دوما بذلك، فلا تحزني ولا تندمي واعلمي أن ما فاتك لم يكن لك، ولو حرصت على من تقدم حرص الأم على سلامة ولدها ما تزوجت أيا منهم، ببساطة لأن الله لم يقدرهم لك، فاطمئني واستبشري خيرا وأملي في الله عز وجل، ولا تندمي على ما فاتك.

ثانيا: اعلمي -أيتها الفاضلة- أن من قدره الله لك زوجا هو في علم الله، فقد قدر الله مقادير كل شيء قبل أن يخلق الدنيا كلها بخمسين ألف سنة، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء) وهذا لا يدعوك إلى التكاسل أو إلى التواكل، ولكن يدعوك مع الأخذ بالأسباب البشر والاطمئنان والثقة في أن قضاء الله هو النافذ وهو الخير لك .

ثالثا: الإيمان بالقضاء والقدر وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك يقوي عزمك ويجعلك صلبة أمام وساوس الشيطان، بل نقولها لك -أختنا الكريمة-: لن تحصلي على سعادتك في الحياة إذا لم يترسخ عندك هذا الفهم، يقول أهل العلم: من لم يؤمن بالقدر لم يتهن بعيش.

بالإضافة إلى أن المؤمن يعلم قطعا أن الله لا يريد له إلا الخير، وأن ما هو فيه هو الخير لك قطعا، ويؤمن أنه قد يتمنى الشر يظنه خيرا ولا يدري، وقد يبتعد عن الخير عمدا وهو لا يعلم، قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم}، فكوني علي يقين بأن اختيار الله لك هو الأفضل دائما، وهنا سيطمئن قلبك ويستريح، فلا نريدك أن تقلقي أو تضطربي، وقد يكون عين ما تخافين منه هو قلب ما تريديه، وقد يكون ما تظنيه شرا الآن هو الخير في الغد، وقد تكون تلك النازلة من ورائها الخير الذي لا تعلمينه:

ولرُبٌّ نازلةٍ يضيق بها الفتى * ذرعاً وعند الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها * فُرجت وكان يظنها لا تُفرجُ

رابعا: الشاب الذي تحدثت عنه مستقبله كما تقولين غامض، ولذلك نحن نرى -أختنا الكريمة- عدم قطع الرجاء معه إن أراد الزواج، ولكن مع ذلك ترك الباب مفتوحا لكل خاطب، فإذا جاءك من يريدك وكان رجلا دينا وصاحب خلق، فعلى الله توكلي واعلمي أن الخير في ذلك -إن شاء الله-.

خامسا: لا بد من صلاة الاستخارة قبل أي فعل وصيغتها كما في حديث جابر -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، وكان يقول -صلى الله عليه وسلم-: (إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ. وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ).

نسأل الله أن يرزقك الزوج الصالح وأن يبارك في عمرك والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً