الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مساعدة الفتاة لخطيبها في التكاليف المادية للزواج

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو من حضراتكم إجابتي؛ فقد فقدت الأمل بالعباد، ولم أفقده برب العباد، وجزاكم الله كل خير.

أنا فتاة جميلة، وربما هذه مشكلتي، ولكني -أحمد الله- متحجبة متدينة وأحرص على ديني، لا يكف الخطاب عن طرق بابي، ولكن في كل مرة لا يتم النصيب؛ لسبب ما (أبداً ليس لتكبري)، وأنا حساسة جداً إلى درجة لا تتصورونها، فأنا أستخير، وأحمد الله دوماً على كل حال.

ومؤخراً خطبني شاب يعمل معي، ووافقت، فقد وجدته متديناً، وناضجاً، ولا أخفي عنكم، فقد أحببته وأرجو من الله أن يجمعنا قريباً، ولكن المشكلة تكمن في أن له مشاكل مادية كبيرة: فهو تقريباً أصغر إخوته المتزوجين، وله والد وأخ أصغر مسؤول عنهم، ووالده يصرف ببذخ، مع أن خطيبي كبير السن (39 سنة)، وأيضاً مع مصاريف الكراء؛ لأنه مضطر لبعد مكان عمله.

إذن مع كل هذا فمرتبه لا يكفيه إلى نهاية الشهر، فما بالكم بالزواج! المهم المشكل هو أن خطيبي دوماً مهموم، وعندما يطرأ عليه مشكل جديد، يزداد هما، ويبتعد ولا أراه، ولا يهاتفني، وكأني سأزيده هما، مع أني - يعلم الله - أريد أن أعينه، وأن أفديه بروحي، وما يحزنني هو أنه لا يأتي ليرمي بهمومه إلي، كما أتمنى أن أرمي همومي عليه! فهل هذه طبيعة في الرجال؟

وما أخشاه أكثر هو خوفي من أن يتراجع عن زواجه مني؛ بسبب مشاكله المادية، وهذا ما أتمنى وأدعو الله القدير ألا يكون؛ لأني سأصدم مرة أخرى، وقد صار كل شيء في حياتي! فماذا أفعل؟ أجيبوني أرجوكم! هل أصارحه بمخاوفي؟ وهل أعرض عليه المساعدة؟ فهو لا يتكلم عن مشاكله إذا طلبت منه أن يفرغ قلبه، ولكن يحسسني فقط بها، فيزيد حزني أضعافاً؛ لعدم قدرتي على مساعدته، ويقول لي: لا أستطيع التكلم الآن!

ماذا أفعل؟ أحتاج إلى دعائكم، فلا تبخلوا علي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/كريمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله العظيم أن يقدر لك الخير وأن يرضيك به، وأن يفرج عن المهمومين، ويعيننا وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته، ونعوذ به من أن نكون من الغافلين.

فإن المؤمنين حقاً يعقدون آمالهم برب العباد الذي يجيب المضطر إذ دعاه ويكشف السوء، ومن اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن سأله أعطاه، فبشرى لك بهذه الروح الطيبة، وكوني مع الله، وأكثري من اللجوء إليه سبحانه.

ولا تنزعجي لعدم التوفيق مع الخطاب، فلكل أجلٍ كتاب، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراد، وأرجو عدم التردد إذا وجدتِ صاحب الدين، ولا تشغلي نفسك كثيراً بهذه الأمور، وجندي نفسك لما خُلقت له من عبادة الله، واحرصي على تقواه، فإنه وعد من اتقاه، فقال: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ))[الطلاق:2-3]، ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا))[الطلاق:4].

ودائماً نحرص على أن نكرر نصحنا لشبابنا بعدم التوسع في العلاقات العاطفية خارج الأطر الشرعية؛ لأن هذه مخالفة شرعية لها آثارها الخطيرة، فما عند الله من التوفيق لا ينال إلا بطاعته: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))[النور:63].

وهذا الشاب الذي خطبك وهو من أهل الدين، وهذا فضل من الله، ينبغي أن يعلم أن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج، ولا تبيح للخاطب التوسع في العلاقات مع مخطوبته ولا الخلوة بها، وعليه أن يجتهد في إعداد ما يستطيع من لوازم إتمام الزواج، وعليك أن تساعديه بأن تقبلوا بالقليل، وخير النساء أيسرهن مهراً، وعليك أن تشجعيه على البر بأبيه، والقيام بواجباته تجاه أسرته، ولن يضيع أجرك عند الله، وسوف يعوضك الله بأبناء بررة أوفياء مستقبلاً بإذن الله، ويحببك في نفس هذا الزواج وأهله.

ومن طبيعة الرجل إذا كثرت عليه الهموم والمشاغل الابتعاد عن زوجته والدخول إلى ما يسمى بالكهف، وحتى إذا كان مع زوجته في البيت فإنه يفضل العزلة والبعد عن الأطفال، وهنا لابد من أن نتركه حتى يفرغ من حل مشاكله، وسوف يعود في الوقت المناسب إلى طبيعته، وهذه طبيعة تخالف ما عليه المرأة، فإن الأنثى إذا كانت عندها مشاكل، تحتاج إلى أن يكون أحب الناس إليها إلى جوارها، وترتاح إذا تكلمت عن مشاعرها ومشاكلها وهمومها، وهي تذكر ما يضايقها بتفصيل ربما كان مملاً لكثير من الرجال الذين لا يعرفون طبيعة المرأة، والرجل الناجح يحرص على أن يكون مستمعا جيداً، وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يتفاعل مع أحاديث زوجاته، وقد استمع لحديث عائشة الشهير بحديث أم زرع الذي قال لها في نهايته: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك).

وأما بالنسبة لهذا الخاطب فأرجو أن تتركيه إذا كان مهموماً، لأنك إذا عرضت عليه المساعدة والاقتراب منه قد يسبب له الضيق.

والرجل الناجح يحرص على عدم عرض مشاكله إلا على من يستطيع أن يعاونه بالفعل، وأنت الآن مجرد خطيبة، وليس من المصلحة أن يناقشك في كل مشاكله؛ لأن المرأة شديدة الحساسية، وربما شعر أيضاً بحساسيتك المفرطة وتأثرك الشديد بما يحدث له من مشاكل فأصبح يفضل عدم إقحامك في مشاكله.

ولا أظن أن هذا الرجل سيتراجع عن موضوعه، ولكن نسأل الله أن يعينك على الصبر والانتظار، ولا تلحي عليه بضرورة طرح مشاكله عليك، واجتهدي في التوجه إلى من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء سبحانه، وثقي بالله، واعلمي أن الفرج قريب، وربنا كريم مستجيب، وهكذا المؤمن يبتلى، وعجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.

نسأل الله العظيم أن يفرج عن المهمومين، وأن يكتب التوفيق والسداد لهذا الرجل، وأن يجمع بينكما في خير.
والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً