الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الذنب مع عباد الله يتعبني كثيرا ولا أدري ماذا أفعل؟ أرشدوني

السؤال

الذنب مع عباد الله يتعبني كثيرا؛ لأنه لا يغفره الله إلا بعد أن يسامحني هؤلاء.
أنا لا أعلم هل ما أعاني منه وساوس أم حقيقة؟!
فمثلا جاءتني ذكريات أن هناك أشخاصا كذبت عليهم في الماضي، فقلت لنفسي: يجب أن أذهب وأعتذر لهم، لكنني أخجل من ذلك فلم أذهب، ومنذ ذلك الوقت وضميري يؤنبني، فأنا لا أعلم هل يكفيني الاستغفار؟

وهناك أمثلة أخرى، ومنها: أني عندما كنت أصلي في المسجد، وعند قيامي من السجود صدمت قدمي برأس رجل كان يسجد في الصف الذي خلفي، فقلت: هذا ذنب مع شخص، مع أني لم أقصد أن تصيب قدمي رأسه، وهي إصابة خفيفة لم تؤذه، ولأن بعد انتهاء الصلاة نظرت إليه فوجدته لا يعطي هذا الموضوع أي انتباه أصلا، ولكنني قلت: يجب أن أذهب له وأعتذر، ولكنني أيضا خجلت أن أذهب له، فلم أذهب، وضميري يؤنبني كثيرا، فأنا لا أعلم هل يكفيني الاستغفار؟

ملخص كلامي: هل عندكم قول يخلصني من الوسوسة في المعاملات، ويعلمني كيف أتعامل بطريقة الإسلام الصحيحة دون غلو ولا تفريط؟ وهل عندكم قول يخلصني من ذكرياتي التي تذكرني بالذنوب الماضية مثل الكذب، والنميمة، فهي ذنوب ليست مع الله ليغفر لي، بل مع عباد الله، فهل يكفيني الاستغفار -والله لا يكلف نفسا إلا وسعها- أم ماذا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ abdelrahman حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -ابننا صاحب الضمير الحي- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونسأل الله أن يوفقك ويصلح الأحوال، ويغفر لنا الذنوب ويحقق لنا الآمال، وأن يرضي من ظلمناه، ويحشرنا معهم في صحبة نبينا كريم الخصال.

لقد أسعدتنا مشاعرك النبيلة، وأفرحنا ضميرك الحي، وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن وقافا مع نفسه، محاسبا لها، ومن يحاسب نفسه اليوم؛ يخف عليه الحساب غدا، ومن يحاسب نفسه؛ تقل عنده الأخطاء، والمؤمن أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه.

لا شك أن الذنوب المركبة التي فيها حق لرب العباد وحق للعباد، هي أخطر الذنوب، والعافية في السلامة منها ومن غيرها، كما قيل: (ترك الذنوب خير من معالجة التوبة) وإذا وقع الإنسان في ذنب فيه حق للخلق؛ فعليه بعد التوبة من تصفية ما عليه بطلب العفو -إن استطاع-، أما إذا خشي الحرج والفضيحة أو حصول منكر أكبر؛ فإن عليه أن ينتقل إلى خطوات أخرى، فإن كان مالا حاول أن يدخله في حسابه، أو يرسله له في شكل هديه أو يجتهد في إيصاله إليه دون أن يعلم، وإن كان غيبة حاول أن يذكره بالخير في نفس المجالس التي اغتابه فيها، وهكذا...، فإن عجز عن كل ذلك اجتهد في الدعاء لمن ظلمهم، والاستغفار لهم، والتصدق عنهم، و...، فإذا جاء يوم القيامة وطالبوا بحقوقهم كان في الحسنات غنية وكفاية، وحق لأمثالك من الحريصين أن يؤملوا في عفو رب العالمين عنهم، وإرضاء خصومهم بفضله ورحمته.

ونكرر الدعوة لك ولأنفسنا بضرورة تفادي الذنوب، وخاصة التي فيها حقوق للعباد؛ حتى لا يبعث الإنسان مفلسا، والعاقل يسعى في فكاك رغبته، وفي تصفية حساباته قبل ألا يكون دينار ولا درهم، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من كان عنده مظلمة لأخيه فليتحلله الآن قبل أن لا يكون دينار ولا درهم).

أما بالنسبة للأذى الذي لحق بالمصلي الذي كان خلفك دون قصد منك، فلا شيء فيه، وإن اعتذرت له فحسن، وإلا فلا إشكال، فلا تحمل نفسك ما لا تطيق، وردد معنا قول الله: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا...}

وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ونكرر لك الشكر على الاستشارة التي أحيت في نفوسنا المعاني الجميلة، وكم هو سعيد من يحاسب نفسه ويسعى في نجاتها.

وفقك الله، وسدد خطانا وخطاك، وحفظك وأسعدك وتولاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً