الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والداي يرفضان زواجي من فتاة بسبب أمها المنفتحة!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طلبت من أبي خطبة بنت معينة أحبها، لكنه رفض، وقال إن والدتها منفتحة عكس ثقافة القرية، وأخاف أن البنت ستكون مثلها في المستقبل. ولكن البنت -هداها الله- متدينة وملتزمة بالحجاب، وتقرأ القرآن ومحافظة على الصلاة، ويمكنها تحمل مسؤولية البيت.

والوالد والوالدة يرفضون بسبب والدة الفتاة، ووالد الفتاة لا خلاف عليه، فمحور الخلاف والدتها.

هل يجوز إقناع الوالد بما يتناسب مع شرع الله بخطبة البنت -مع العلم أن الفتاة ذكرت بأنها ليس لها أي ذنب في تصرفات والدتها، ووعدت أنها ستكون غيرها وأنها ستكون مطيعة لوالدي ووالدتي بحكم أنهما سيكونان من أسرتها الجديدة- أم الدين يمنع ذلك ونحكم على البنت بسبب والدتها؟ وهل يجب علينا الحذر من كلام الناس؟

مع العلم أني صليت استخارة وأحسست بالراحة في إكمال الموضوع وإقناع الوالد بعمل فترة خطوبة مثلا، والحكم على الفتاة فيها, ولكن بطريقة مناسبة بحيث لا توجد خلافات بيننا في المستقبل.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ mohamed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمُنَّ عليك بزوجةٍ صالحةٍ طيبةٍ مباركةٍ تكون عونًا لك على طاعته ورضاه، كما نسأله تبارك وتعالى أن يمُنَّ عليك بكسب رضا والديك، وأن يوفقك لإرضائهما وبِرِّهما والإحسان إليهما.

وبخصوص ما ورد برسالتك -ابني الكريم الفاضل محمَّد - فإنه ممَّا لا شك فيه أن كلامك فيه قدر كبير من المعقول والمنطق، ولكن في نفس الوقت أيضًا كلام أهلك لا يقلُّ عن كلامك في الدرجة والمنزلة، فإن الطيور على أشكالها تقع، والناس ينظرون إلى هذا الواقع ويحكمون من خلاله على كل شيءٍ، وإن كنا لا نؤيد فكرة تعميم الحكم على الأشياء كلها؛ لأن الخلاف شيءٌ طبيعي ووارد، وليس من اللازم أن يكون الإنسان صورة مطابقة لأمِّه أو لأبيه، ولكن هذا الذي جرتْ به العادة، أن الناس ينظرون إلى الأسرة ويرون أن البنت التي نشأت في هذه البيئة ستكون شبيهة لأمِّها أو لديها الاستعداد في أي وقتٍ أن تكون كذلك.

بصرف النظر عن هذا الأمر -ابني الكريم محمَّد-، فلا يمنع من أن تحاول إقناع والديك بأساليب صحيحة، ما دمت قد رضيت دينها وخلقها وصليت استخارة، فإن لم يقتنعا عند ذلك، وأصرا على الرفض، فإني أنصحك أن تُغلق هذا الباب نهائيًا؛ لأنه لا يجوز لك أن تبدأ حياتك بمعصية والديك، ولا بالضغط عليهما.

فأنا أرى - بارك الله فيك - أن تُغلق هذا الباب نهائيًا، وأن تبحث عن فتاةٍ أخرى بلا مشاكل، يرضى عنها أبوك وترضى عنها أمك؛ لأنك تعلم أن الشرع ذكر لنا صورًا من البر عندما طلب عمر ابن الخطاب من ابنه أن يُطلِّق امرأته، وكانت أحب النساء إليه، وكانت زوجة في بيته، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (أطع أباك).

وأنت الآن لم تتقدم، فلماذا تبدأ حياتك بالعقوق؟ فما دامت الوالدة ترفض والوالد يرفض فاتركها لله سبحانه وتعالى إكرامًا لوالديك، وقل: (اللهم إني تركتُ هذه الفتاة رغم أني أرى أنها مناسبة، وذلك إكرامًا لوالديَّ، فمُنَّ عليَّ بفتاةٍ أفضل منها ترضى عنها أمي ويرضى عنها أبي) وثق وتأكد أن الله سيُكرمك بذلك، واعلم أن من ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه، واعلم أن من عفَّ نفسه عن شيءٍ في الحرام ناله في الحلال.

فأنا أرى أن تترك هذا الأمر إكرامًا لوالديك، وأن تُخبرهما، وأن تقول لهما: (يا أبي ويا أمي: ما دمتما لا تُريدان هذه الفتاة فأنا تركتها من أجلكما تنفيذًا لأوامر الله تعالى، ولكن عليكم الدعاء لي أن يمُنَّ الله عز وجل عليَّ بفتاةٍ مثلها أو أحسن مثلها؛ لأن دعاءكم لا يُرد).

بيِّن لهما أنك تركتها من باب البر بهما والإحسان إليهما، وأنا أرى - ولدي محمَّد - أنك رابحٌ فائزٌ -بإذن الله تعالى- في الدنيا والآخرة؛ لأن بر والدين - يا ولدي - من عوامل سعة الأرزاق، بل إن مجرد صلة الرحم تؤدي إلى طول العمر وسعة الرزق، فما بالك ببر الوالدين؟! فبدلاً من أن تكون عاقًا لهما من أجل فتاة، مُسيئًا إليهما من أجل فتاة، مُزعجًا لهما من أجل فتاة، تحرم نفسك بركة دعائهما ورضاهما من أجل فتاةٍ، أنا أرى - بارك الله فيك - أن تُحافظ على المضمون، وهو وجود رضا والديك عنك، وأن تترك ما قد يكون على خلاف ما تُريد.

اُتْرك لله تبارك وتعالى إكرامًا لوالديك، وسيُخلف الله عليك بخير خُلف، ويعوضك بعوَضٍ لا تتوقعه، أسأل الله أن ييسِّر لك ذلك، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً