الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كنت على علاقة مع فتاة وتركتها وتبت لكني خائف من دعائها عليّ!

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب بعمر 25 سنة، كنت على علاقة مع فتاة منذ 4 سنوات، وفي كل سنة أنفصل عنها، وأقول لها: إني أخاف الله، علماً أننا كنا نتحدث في الهاتف في أمور جنسية، فكنت خائفاً من الله، وفي كل سنة يغريني الشيطان، وأعاود مكالمتها، ونعود كما كنا طيلة الأربع سنين كل مرة أتركها ثم أرجع إليها.

في آخر مرة في هذا العام تركتها لكنها قالت لي: لن أسامحك لا في الدنيا ولا في الآخرة، وقالت أيضاً: حسبنا الله ونعم الوكيل فيك.

أنا حائر في أمري، فأنا أريد التوبة إلى الله من أفعالي معها، وفي نفس الوقت خائف من دعائها علي.

أفيدوني، بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يُجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلك من صالح المؤمنين.

بخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فأهم شيءٍ تُركِّز عليه إنما هو التوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، فإن تبت توبةً صادقة نصوحًا وتركت هذا الذنب حياءً من الله وابتغاء مرضاة الله، فلا تشغل بالك بدعاء هذه الأخت، ولا بدعاء غيرها، لأن الدعاء ليس على هوى الناس، والله تبارك وتعالى لا يُحبُّ المعتدين، أي المعتدين في الدعاء أيضًا.

إذًا كل الذي عليك أن تركِّز فيه أن تتوقف عن هذا الذنب نهائيًا، ولا تتصل بهذه الفتاة مطلقًا، وألا تتكلم معها أي كلام حتى لا تعود مرة أخرى إلى هذا الذنب، ويستغل الشيطان عودتك إليها لتضعف أمامها ثم تعود إلى المعصية.

هي تدعو عليك لماذا؟ لأنها لعلّها تريد أن تستمر معك في الحرام، وأنت ينبغي عليك أن تترك هذا الحرام من أجل الله تعالى، ولا تمش على هواها ولا على هوى نفسك، واعلم أن الله تبارك وتعالى بشَّر على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن (من تاب تاب الله عليه)، وبشَّر أيضًا فقال: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) وقال الله جل وعلا: {فأما من تاب وآمن وعمل صالحًا فعسى أن يكون من المفلحين}، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الندم توبة) والله تبارك وتعالى بشَّرك بقوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم}، وبشَّر فقال: {وهو الذي يقبل التوبة عند عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر) وقال: (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه)، وقال الله أيضًا: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم}.

إذًا عليك - بارك الله فيك – أن تُركز على التوبة – ابنِي جمال – ولا تشغل بالك بدعاء هذه الفتاة ولا بدعاء غيرها، وإنما اجلس مع نفسك، وقل: (يا ربِي إني تاركٌ هذا الذنب من أجلك، فأسألك اللهم أن تُعينني على هذه التوبة وأن تثبِّتني عليها)، وأن تندم على هذه المعاصي التي وقعت - وهذا هو الذي ألاحظه من خلال رسالتك - وأن تعقد العزم على ألا تعود لهذه المعصية لا مع هذه الفتاة ولا مع غيرها، وأن تجتهد في الأعمال الصالحة، لأن من علامات قبول التوبة أن يتحسَّن حالك بعدها عن حالك بعدها: اجتهد في المحافظة على الصلوات في أوقاتها، وأذكار الصباح والمساء، وحضور مجالس العلم والذكر إذا كانت متاحة بالنسبة لك، ووردٍ من القرآن الكريم يوميًا، والإكثار من الاستغفار، وغض البصر، والبُعد عن الاختلاط الغير منضبط مع الفتيات أو النساء، وبإذنِ الله تعالى لو صدقت في توبتك فاعلم أن الله تبارك وتعالى يقبل توبتك ويغفر ذنبك، وقد يُبدِّل سيئاتك حسنات، كما وعدنا بذلك في القرآن، ولكن هذا يحتاج إلى صدقٍ في التوبة، وأن تترك الذنب حياءً من الله، لا خوفًا من هذه الفتاة ولا من غيرها.

ركِّز على هذا - بارك الله فيك – ولا تشغل بالك بدعائها، فإن الله ليس على هوى الناس، وإنما الله تبارك وتعالى يعلم السرَّ وأخفى، وهو سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان ويعلم ما تُوسوس به نفسه، والكفار كانوا يدعون على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يستجب الله دعاءهم فيه، لأن النبي كان على الحق وهم كانوا على الباطل، وهذه الفتاة الآن إذا كانت تُريد أن ينتقم الله منك لهذا الذنب فأنت قد تبت إلى الله، والأمر بالنسبة لك سيكون منتهيًا إذا ثبت على التوبة، وإذا كانت تريدك أن تعود إلى المعاصي فأنت رجل تركت المعصية حياءً من الله، وسيدفع الله تبارك وتعالى عنك، ولن يستجيب دعاءها ما دامتْ معتدية، وما دمتَ تائبًا توبةً نصوحًا.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • رومانيا محمود - Syria

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
    ما شاء الله ، إجابة الشيخ مفصلة و ستفيدك بإذن الله ..
    فقط أحببت أن أضيف شيئًا بسيطًا ..

    كلنا نعلم أن دعوة المظلوم مستجابة .. و على ما أعتقد أنت تفكر بهذا الشيء في قرارة نفسك ، و خائف من دعائها لأنك قد ترى أنها ( مظلومة ) و أنت الذي ظلمتها ..

    و لكن تأكد أخي العزيز أن هذه الفتاة ليست مظلومة على الإطلاق ؛ على العكس تمامًا .. فهي تريدك أن تعود إليها من أجل مواصلة الذنوب و المعاصي و من أجل الأمور المحرمة التي تغضب الله عز و جل .. فكيف تكون قد ظلمتها ؟؟

    لذلك اعلم أنك بابتعادك عنها تكون قد فعلت الصواب , و اعلم أن من شروط التوبة الإقلاع عن الذنب و الندم على ما فات و ( عدم الرجوع إلى الذنب مرة أخرى ) و قد وضعتها بين قوسين .. فكما ذكرت ، أنت في أكثر من مرة قد تبت إلى الله و من ثم عدت بعد فترة إليها و عدت إلى طريق الذنوب و المعاصي .. لذلك هذه المرة اثبت ، و تب إلى الله توبة نصوحا .. و انسى هذه الفتاة تمامًا و لا تفكر بها أبدًا ، لأن كثرة التفكير قد يقودك للعودة إليها .. لذلك لا تتبع وسوسة الشيطان و اطمع برضا الله عز و جل و بمغفرته .

    شيء أخير .. تذكر أخي العزيز ، أن كل شخص بإمكانه أن يدعو .. أنا الآن بإمكاني أن أتوجه للقبلة و أدعو على أي شخص سواءً كان صالحًا أو فاسدًا ، و أنت بالمثل و كل شخص يستطيع فعل ذلك .. فهل هذا يعني أن كل شخص توجه إلى القبلة و دعا قد استجاب الله لدعاءه ؟؟ و هذه الفتاة أساسًا من الواضح أنها ليست قريبة من الله عز و جل ، فكيف تدعو عليك و هي بالأصل تريدك من أجل مواصلة الذنوب و المعاصي ؟؟؟ لذلك لا تخف منها و لا من دعائها .. بل على العكس ، أنت توجه إلى القبلة و ادعو لنفسك بالهداية و اطلب من الله حفظه و مغفرته و أن يبعدك عن أمثالها و أن يثبتك على طريق الهداية و الفلاح .. و تأكد للمرة الأخيرة بأنك بتوبتك هذه ، لا تظلم هذه الفتاة .. بل على العكس ، أنت بابتعادك عنها تريد مصلحتك و مصلحتها بنفس الوقت .. و إياك أن تفكر في العودة لمكالمتها و لو لمرة ، لأنك هكذا تكون قد فتحت هذا الباب من جديد و عدت إلى نقطة البداية .. لذلك تغلب على وسوسة الشيطان ، و لا تخف أبدًا على نفسك .. لأنك لا تفعل الشيء الخطأ .. علينا أن نخاف من دعاء الوالدين و الصالحين و من دعوة المظلوم .. أما هذه الفتاة تدعو عليك من أجل أن تعود إليها من أجل ارتكاب المعاصي من جديد ، فلماذا الخوف و القلق من دعائها ؟؟ هي تريد فعل الحرام ، و أنت عليك أن تتجاهلها و تبتعد عنها لأنها تريد السوء لك ، و كل ما عليك فعله هو التوبة الصادقة و فعل الخير أخي جمال ..

    سأعطك مثالاً بسيطًا .. رجل اسمه خالد طلب من رجل اسمه ياسر أن يشاركه بعملية سرقة , و ياسر قد رفض خوفًا من الله عز و جل .. فدعا خالد عليه ، هل من المنطقي أن يخاف ياسر من دعاءه ؟؟ يدعو عليه لأنه لا يريد أن يكون شريكًا معه بالحرام ؟؟

    وفقك الله و حفظك و غفر لك ..
    أسأل الله أن يثبتك على طريق الهداية و الفلاح ..
    و أن يهدي تلك الفتاة و يعيدها إلى رشدها ..

    أعتذر على الإطالة .. شكرًا لكـ

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً