الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت بالإحباط والاكتئاب بسبب سوء معاملة أبي لي.. ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

إن الموضوع الذي سأطرحه على مسامعكم سبب لي اكتئابا وإحباطا، فقد صرت منهزم الإرادة، معدوم الشخصيّة.

لقد ولدت بمنزل جدي، وأقيم فيه حتى الآن، وعمري الآن ستة وعشرون سنة، وقد ذقت أسوأ طعم للمذلة والإهانة والتجريح أنا وأمي ( تلك المرأة الطيبة التي تحملت كل هذه السنون ) من جدتي وأعمامي، والشيء الذي كان يقتلني ويكسر قلبي أن أبي كان لا يهمه كل هذا، فقد كان يهينني أنا وأمي وإخوتي دائما وأمامهم أيضاً، وكان لا يعجزه ضربي وبوحشية، فوجدت نفسي لا أرغب بشيء وليس لي مزاج لأي شيء، وكرهت كل شيء، وكنت ضعيفا في الدراسة وأرسب، وعندما كبرت أردت محادثته والتقرب إليه، لكنه كان يتحجج وينصرف، وكان يفعل كل شيء من رأسه دون الرجوع إلينا في شيء حتى إذا كان الفعل فيه تحقير لنا كأسرة.

إلى اليوم ما زلنا نعيش بمنزل جدي الذي أصبح ملكًا لعمي، وهو دائم التكبر علينا وأبناؤه، أنا الآن أكره أبي كرها شديدا، أكرهه أكثر من أي شيء، فهو السبب فيما أنا فيه الآن من خمول وركود، حتى أني كرهت العمل ومخالطة الناس، وكرهت نفسي أيضاً.

أرجوكم ردوا عليّ، فإني أثق بكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا بهذا السؤال، ومما لا شك فيه أن ما وصفته لأمر محزن ومؤلم حقا، أولا لطبيعة الأحداث الصعبة التي عشتها، وثانيا بسبب معاملة والدك لك بهذا الشكل الذي وصفته في سؤالك.

لا شك سؤالك يطرح العديد من القضايا كشعورك الشديدة بالحرمان العاطفي، وفي مشاعرك الكثيرة عن والدك الذي عاملك بهذا الشكل، ولكن الموضوع الأهم الذي أعتقد أنه حجز الزاوية في الوضع الحالي الذي أنت فيه، هو الحرمان العاطفي، بل الإساءة من الوالد، وربما أيضا في العمل على إيقاف التدهور في حياتك وسلوكك.

آلمني جدا قراءة قصتك مع والدك، حيث من الواضح أنك عانيت كثيرا من هذه المعاملة، أعانك الله وصبّرك على كل هذا، ولا شك أنك تعلم أن الكثير مما حصل لم يكن خطؤك أنت، وإنما هو تصرف والدك معك، أعانك الله وصبّرك على ما تلافيه في هذه الحياة من كره نفسك وكره العمل ومخالطة الناس...

من الطبيعي أن الأبناء والبنات يحتاجون ليسمعون من آبائهم تعزيزا على بعض أعمالهم، أو صفاتهم، أو ما يتقنونه من مهارات، وهم يحتاجون لهذا التعزيز بشكل يوميّ، والمؤلم أن نرى وكما هو الحال مع والدك أن يضعف من ثقتك في نفسك، ويعطيك تعزيزا سلبيا... وربما بشكل يوميّ! فما العمل الآن، والواقع كما ورد في سؤالك؟

تختلف طريقة الحل بحسب وعيك ووعي والدك، ومدى قدرته على الحوار والتفاهم، وإن كنتُ غير متفائل في هذا في هذه المرحلة وبعد الوصف الذي وصفته في رسالتك.

ولكن بشكل عام ربما تحاول الحديث معه ومع أمك كيف أن الأبناء يحتاجون في حياتهم للتعزيز والمدح والإطراء على ما يقومون به، ولك أن تذكر لهم هنا الأسوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث خدمه الصحابي الجليل أنس بن مالك عشر سنوات، فلم يقل له الرسول صلى الله عليه وسلم يوما لشيء فعله لم فعلته، ولا لشيء لم يفعله لما لم يفعله! بينما نجد الناس يوميا يقولون لأطفال "لم فعلت كذا...؟" و"لمَ لمْ تفعل كذا؟" بل قد يضربوهم عليه.

ويمكنك أيضا أن تتحدث مع والدتك، وتحاول من خلالها تغيير بعض تصرفات والدك، فعسى أن ينفع هذا. وإذا لم ينفع كل هذا أو أنك غير مقتنع بفائدة القيام بكل هذا، فهذا أيضا خيارك وقرارك الشخصي، ولن يضغط عليك أحد لتقوم بما لا تريد.

وأنت ما شاء الله في 26 من العمر، ويمكنك بعون الله أن تخرج من كل هذه التجربة سالما، محتفظا بشخصيتك القوية وثقتك بنفسك.

حاول أن تعوض ما افتقدته في البيت والأسرة من خلال العلاقات مع بقية الأقرباء، ومن خلال الصداقات مع الأصدقاء الطيبين الصدوقين.

ويفيدك كثيرا في هذه المرحلة أن تنظر لما أنعم الله به عليك من نعم في صحتك ومواهبك، وأن تحاول أن ترى نصف الكأس الممتلئ وعدم التركيز كثيرا على النصف الفارغ.

وفقك الله ويسّر لك الأمر، ونفع الله بك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • موريتانيا ابراهيم

    والله قصة مؤلمة ومؤثرة اعانكم الله واعتقد ان الاجابة كانت شافية ارجوالله ان ينفع بها ويرفع اهلها

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً