الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أعلم الأسباب التي جعلتني كسولة ومتأخرة في دراستي، ساعدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة عمري ١٦ سنة، في الصف الحادي عشر -والحمد لله- كنت من المتفوقين جدا في دراستي، لكن قبل انتهاء الصف التاسع بشهرين تقريبا، تغيرت كثيرا، ولم أعرف ما السبب الذي جعلني أتغير (للأسوأ)؟ حيث أصبحت كسولة جدا، لا أدرس، ولا أفعل أي شيء يفيدني، أصبحت طول الوقت جالسة هكذا لا أفعل شيئا، وأشعر بكسل وتعب، وإرهاق طوال الوقت، استمريت على هذا الحال للصف العاشر، كنت أقنع نفسي أنها مرحلة وستمر -إن شاء الله- لكنني استمريت على هذا الحال، وابتعدت عن ربي، بعدما كنت قريبة منه، ابتعدت كثيرا، وبدأت أقلل من قراءة القرآن، لدرجة أنني الآن لا أقرأ إلا صفحة واحدة في اليوم.

كان لتكاسلي، ونزول مستواي في المدرسة، أثر نفسي كبير بعد أن كنت من المتفوقين، والكل من أصدقائي وزملائي في المدرسة بدأ يستغرب ويلاحظ هذا الشيء.

أصبحت غير مبالية، وأشعر بالكسل والخمول والإرهاق، وأشعر بالفراغ طوال الوقت، وكل الأهداف والطموحات التي كانت لد اختفت، وأريد أن أرجع لذاتي القديمة، فأنا في صراع داخلي مع نفسي طوال الوقت، فقد كان لدي هدف كبير وعظيم جدا في السابق، أما الآن فلا أسعى له، وأظل جالسة مكاني.

حاولت كثيرا، أن أفهم ما الذي جرى لي، وأحاول أن أجد الحلول، لكني لم أجدها، أشاهد فيديوهات تحفيزية، وأقول لنفسي: لعل وعسى ترتفع همتي، ثم أعود مثل ما كنت دون جودى، وأشعر بأنني أصبحت متبلدة التفكير، وأن عقلي لا يعمل، وفي الفترة الأخيرة، أصبحت أنام كثيرا، من ٩ إلى ١٠ ساعات أو أكثر، وعند الاستيقاظ أشعر بالتعب والإرهاق جدا.

هذه السنة هي سنة مهمة جدا لي في دراستي، وعليها سيبنى مستقبلي، لأنني أحضر لامتحان، ويجب أن أحصل على مجموع عال جدا، وهذا يحتاج لأن أدرس، لكنني والله لا أعلم ما الذي حل بي؟ وأحيانا أجبر نفسي على الدراسة، لكنني لا أستطيع الدراسة أكثر من ١٠ إلى ١٥ دقيقة، وبعدها يتشتت تفكيري، ولا أركز، وأفكر بأمور أخرى، وخلال هذه الفترة، شخصيتي كلها تغيرت، وأصبحت ضعيفة، وأصبحت منعزلة ومنطوية على ذاتي، لا أدري لماذا انقلب بي الحال إلى هذا، وأشعر بالحزن كثيرا على ذاتي، مما سبب لي الضغط النفسي كثيرا، فلا أعرف ما أريد، وكتبت أهدافي على ورقة، لكنني لا أتحرك من مكاني، ولا أعمل لأحقق هدفي.

كيف أعود مثل ما كنت، كيف أتقرب من الله، كيف تعود لي همتي السابقة، وترتفع، ما هي الأسباب التي جعلتني هكذا، وما هي الحلول؟

وجزاكم الله ألف خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا بما في نفسك وحياتك على هذا الموقع، ومعذرة على التآخر بسبب السفر وغيره.

لا شك أنه موقف صعب جدا تجدين نفسك فيه، أعانك الله وخفف عنك، وخاصة أنه من الواضح أنك فتاة ذكية وطموحة وتتطلعين للمعالي، فأرجو أن لا يتراود لذهنك بأنك في هذه الحالة بسبب تقصير مع الله، أو لأنك ضعيفة الشخصية، كلا، فيمكن لما أصابك أن يصيب أي فتاة أخرى، والغالب أن الابتعاد قليلا عن الله تعالى إنما هو نتيجة وليس السبب، وكما يبدو من تسلسل الأحداث وتطورها، وبناء على ما ورد في رسالتك، فوجب الانتباه لهذا.

وطبعا هذا لا يعني أن تستمري بالتقصير في حق الله، كلا، فالعودة لتقوية الصلة والقرب منه تعالى سيعينك كثيرا على تجاوز هذا الحال، بالإضافة لأمور أخرى سأذكرها لك.

هناك احتمال كبير، ومن خلال ما ورد في رسالتك، أنك تعانين من حالة من الاكتئاب النفسي، حيث ورد في رسالتك العديد من أعراض الاكتئاب النفسي، فبالإضافة للشعور بالتعب والإجهاد عقب النوم، واضطراب النوم في شكل طوله، وذهاب رغبتك بالأعمال ومنها الدراسة بعد أن كنت من المتفوقات، وتشتت الانتباه وضعف التركيز بسبب ضعف الانتباه، يصيب الفتيات في مثل هذا السن المبكرة.

طبعا مع الاكتئاب لا يشترط أن تكوني قد مررت بظروف صعبة، مما يفسر هذا الشعور بالاكتئاب، فبعض حالات الاكتئاب تأتي من لا شيء، باعتبارها مرض ككل الأمراض.

والذي أنصح به أن تراقبي حالتك ومشاعرك، وأن تحاولي التخفيف من شعورك بالعزلة بالتواصل مع أصدقائك وأسرتك، فالصداقات والتواصل مع الآخرين في كثير من الحالات مصدر كبير من مصادر شعورنا بالحياة، لأن الإنسان كائن اجتماعيّ بطبعه، ولعل هذا الخروج من الوحدة والعزلة هو الخطوة الأولى للعلاج المطلوب لتصحيح الحال وعلاج الموقف.

ولكن إن طالت المعاناة أكثر واستمر شعورك بهذا الحال، فأمامك عدة خيارات:

أولاً: يمكنك الحديث مع الأخصائية النفسية في مدرستك، فهي يمكنها أن تحاول أن تعرف طبيعة ما يجري، ومن ثم تنصحك بالخطوة التالية.

ثانيا: يمكنك مراجعة الطبيب النفسي، حيث يمكنه أن يأخذ منك القصة كاملة، ويصل معك للتشخيص السليم، ومن ثم النصح بالعلاج المطلوب، سواء العلاج النفسي المعرفي السلوكي، أو حتى الدوائي أو كليهما معا.

ثالثاً: قد يقوم الطبيب ببعض الاختبارات، ومنها اختبار وظائف الغدة الدرقية، فنقص نشاطها يمكن أن يشبه في أعراضه حالات الاكتئاب المشابهة لما ذكرت في رسالتك، وهي حالة طبية يسهل علاجها هذه الأيام بهرمون الغدة الدرقية.

وأرجو أن لا تترددي في مراجعة الأخصائية النفسية عندكم، بالرغم من موقف المجتمع من موضوع الطب النفسي، والوصمة الاجتماعية، فالاكتئاب مرض كغيره من الأمراض، يمكن أن يصاب الإنسان به في مثل سنك، فالاكتئاب مرض له علاقة ببعض المواد الكيميائية في الدماغ، والتي يمكن تصحيحها عن طريق دواء مضاد للاكتئاب، أو العلاج النفسي، وتذكري أن ممارسة الرياضة أيضا من مضادات الاكتئاب النفسي الفعالة، فاحرصي عليها.

وفقك الله وكتب لك الصحة والعافية، وجعلك من المتفوّقات، لتعودي كما كنت في الماضي نشيطة متفوقة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً