الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التفكير المفرط في الزواج.. وتأثيره عليّ

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، مشكلتي هي أني أرغب كثيرا بالزواج، لحد أصبحت هذه الرغبة مرضا بالنسبة لي.

تخرجت منذ سنتين، وحاليا أجلس بالبيت دون عمل، ولا أفكر سوى في الزواج وتكوين أسرة، علما أني لا أفكر في الجنس بقدر الرغبة في الاستقرار، أصبح هذا الأمر يقلقني، خاصة أصبحت لا أنام ليلا من شدة التفكير، وكلما سمعت أي فتاة بعمري أو أصغر مني تزوجت أحزن كثيرا، وأقول في نفسي لم لست أنا؟

أريد أن أكون عروسا، وهل سأتزوج يوما ما؟ والكثير الكثير من الوساوس، رغم أني مؤمنة بأن هذا أمر بيد الله وحده، وأدعو ربي في صلاتي دائما بأن يقوي ثقتي فيه، لكن في كل مرة لا أجد نفسي إلا حزينة بسبب تأخر زواجي رغم صغر سني؛ فأنا لم أصبح عانسا لأصل لهذ ه الحالة، وقد أصبحت عصبية جدا وأتأثر كثيرا.

أرجو منكم مساعدتي حتى أتجاوز هذا الأمر وأريح بالي؛ إذ أني لا أفكر إلا في هذا الموضوع، وارتبطت جل حياتي به؛ فأنا لا أريد أن أكون حاسدة، ولا أريد أن يضعف إيماني وثقتي بالله.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ صفا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- بارك الله فيك وفرّج همك ويسّر أمرك –أختي الفاضلة– ورزقكِ الزوج الصالح والذرية الصالحة والحياة السعيدة.

- الرغبة في الزواج مشكلة اجتماعية يسيرة، والزواج سنّةٌ إلهية كونية وشرعية وفطرةٌ بشرية فطر الله تعالى الإنسان عليها لطلب الاستقرار والنسل والعفّة والمودة والرحمة, والزواج سنّة الأنبياء والمرسلين؛(ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية) وصح عن ابن عباس قوله: (تزوجوا فإن خير هذه الأمة أكثرهم نساءً) يعني نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم وفي الحديث : (فإني أصوم وأفطر, وأصلي وأرقد, وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني) متفقٌ عليه.

- وعلى العكس فإن من غير الشرعي ولا الطبيعي الفطري: عزوف بعض الشباب –ذكوراً وإناثاً– تشبهاً بالغرب, أو اكتفاءً بالحرام أو لغير ذلك من الأسباب المخالفة للشريعة الإسلامية والفطرة الإنسانية, والمعطلة لمصالح النكاح الشرعية الدينية والدنيوية في تحقيق السكن النفسي والمودة والرحمة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة إن في ذلك لآيات لقومٍ يتفكرون) وفي غض البصر وتحصيل العفّة (فليتزوج فإنه أغضٌ للبصر وأحصن للفرج).

- إلا أن الإفراط الزائد –أختي العزيزة حفظكِ الله– في الرغبة في الزواج منافٍ لمقتضى توازن الطبيعة البشرية وتوسطها واعتدالها, حيث وإن من مقتضى الشرع والعقل والفطرة: الاعتدال وعدم الإفراط والتفريط في كل شيء, ومنه الكلام والمنام والطعام وكذا الرغبة في الزواج.

ولا تغلُ في شيءٍ من الأمر واقتصد ** كلا طرفي قصد الأمور ذميم.
خير الأمور الوسط الوسيطُ ** وضده الإفراط والتفريط.

- ولذلك فإن ردّة فعلك تجاه عدم الزواج في شعورك المفرط بالحزن أو الحسد أو العصبية الزائدة قد تكون له آثار سيئة نفسياً واجتماعياً وأخلاقياً؛ ولهذا فلابد من الآتي:
- ضرورة ضبط النفس وذلك بتوفير الإرادة القوية على الصبر وتقوية الجوانب الإيمانية في التعلق بالله تعالى والاشتغال بطاعة الله وذكره وشكره وحسن عبادته.

- ضرورة إدارة الوقت والفراغ باستغلالهما فيما يعود عليك بالفائدة والمنفعة في دينك ودنياك, كالاهتمام بالدراسة والعمل وتحصيل الثقافة والقراءة ومتابعة البرامج والمحاضرات المفيدة.

- ضرورة الحذر من متابعة وسائل التواصل والإعلام التي من شأنها تهييج الجانب العاطفي عبر المسلسلات والأفلام والأغاني والمشاهد المثيرة للرومانسية أو الجنس.

- لزوم الصحبة الطيبة التي تعينكِ على طاعة الله والبعد عن معاصيه.

- المبادرة إلى الزواج ما أمكن هو الحل الشرعي لتحصيل الإشباع العاطفي والفطرة البشرية ومصالح النكاح الشرعية, فلا تترددي في الإقدام على الزواج شريطة أن يتوفر في الزوج معيارا (الدين والخلق الحسن), واحذري الاستعجال والتفريط باختيار غير الصالح والمناسب؛ بسبب رغبتك العارمة في الاستقرار النفسي بالزواج, لاسيما وأنكِ مازلتِ شابة في مقتبل العمر لم يفتك بعد قطار الزواج.

- ضرورة تعزيز جانب الثقة بالنفس والتحلي بالصبر والأمل والتفاؤل وحسن الظن بالله والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومرّه من الله تعالى (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.

(واعلم بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك)، (واعلم بأن النصر مع الصبر, وأن الفرج مع الكرب, وأن مع العسر يسرا).

- اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء متحيّنة أوقات الإجابة, كالدعاء في السجود وفي جوف الليل (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).

- ومن جميل الأدعية المناسبة في هذا الشأن: (ربِّ إني مسني الضُر وأنت أرحم الراحمين)، (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين واجعلنا للمتقين إماما).

- أسأل الله تعالى لكِ التوفيق والسداد والهدى والرشاد والسترة والصبر والثبات والعفّة, ويرزقك الزوج الصالح وسعادة الدنيـا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا توفيقtaoufik

    السلام عليكم ورحمة الله وبراكته
    انما مع الصبر يأتي الفرج. ها انا ذا أبلغ من العمر 27 سنة ولازلت ابحث لم امل سوف يرزقك الله ان شاء الله لكن حتى يقضي الله امرا كان مقضيا والله اعلم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً