الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صديقتي تتكل مع زميل لها، فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اسمح لي يا شيخ بأن أقول ما عندي بشيء من التفصيل، وبإذن المولى لن أطيل، لي صديقة قريبة مني، هي تلعب أحد الألعاب العالمية التي يلعب بها الذكور والإناث من مختلف الدول، وهم في أثناء اللعبة قد يتحدثون في مضمون اللعبة أيضا.

منذ فترة تحدث إليها شاب من إحدى الدول الغربية، وهو مسلم، لكن إسلامه مذبذب، وقد كان يريد أن يُحوِل ديانته فكانت تحدثه في هذا الأمر، وتُلِح عليه ألا يفعل، كما أنه بلا هدف أو يائس -كحال الكثيرين ليس بجديد- ولكني كنت دوماً أخبرها ألا تتحدث معه، فذاك قد يكون محرماً، لأنه قبل كل شيء رجل، ويكفيها الدعاء له، فالله حافظه.

منذ أسبوعين تقريبا تحدث إليها بكلام فيه شيء بسيط جدا من المودة كأنه معجب بها، فظللت أحدثها وأسوق لها الأدلة أن دعوته للدين قد تنقص من التزامك أنت، وكنت بجانبها لعدة أيام لئلا تعاود مكالمته، وقد قالت إنها لن تكلمه، ولكنها لن تمحوه من قائمة الأصدقاء، فكنت أُلِح عليها أن تمحيه لئلا يحدث كلام مرة أخرى، ثم منذ يومين تقريبا تحدث معها مرة أخرى، وإن كان الكلام كلاما طبيعيا ليس فيه شيء من المودة، أو غيره، لكني أكره هذا، وأغلب الأمر انها فقط تريد لحياته أن تستقيم، فهي لا تحبه، ولا غير ذلك.

لي سؤالان: هل حديثها معه محرم حتى وإن كانت تتحدث لأجل أن تثبته على الدين، وتحاول أن تصلح له حياته؟ وإن كان فهل من الممكن أن تسوق لي الأدلة؟

السؤال الآخر: ماذا عليّ أنا أن أفعل؟ هل أظل أدعوها وأنصحها -ان كان ما تفعله محرما- وهل هذا سيكون شيئا يرضي الله -لأني سأظل أتكلم معها لوقت طويل حتى أقنعها وقد لا تقتنع؟

في الفترة السابقة التي تحدثت عنها ظللت أكلمها، وفعلت كل ما أستطيع، لكنها اتخذت قرارا بعدم مسحه لئلا تشعر بالذنب وانتهى الأمر بنا كأني لم أقل شيئا- أو هل أفعل "الزجر بالهجر" فقد سمعتُ معناها مرة؟

مع العلم أنها شخص ملتزم جدا، بل كنت منها أستمد الورع والحذر من الاختلاط، كما أنه هو من يبدأ الحديث، وذاك لا يحدث إلا على فترات متباعدة، ولا أظن أنني إن قلت لها أن تمحوه ستوافق، وستقول إنها ستضع حدودا في كلامهم، فلا يتحدثون إلا أثناء لعبهم وعن اللعبة فقط، وقد سألت لأني حقا أخشى أن تكون هذه مجرد مبررات، وحجج من الشيطان، فإن كانت على معصية، فأرجو ألا تتأخروا في الرد لئلا تعصي الله في رمضان.

أعلم أن الأمر يبدو تافها جدا، وقد حاولت أن أمنعها عن هذه اللعبة لئلا تختلط بالكثيرين، لكنها وسيلتها للترفيه، لا أدري ما الصواب وما الخطأ، ولا أدري ما أفعل ففكرت أن أسألكم عسى الله أن يجري الله الحق على أيديكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- بارك الله فيك – أختي الفاضلة – وأشكر لكِ حرصكِ على الدعوة والهداية والخير لنفسك وصديقتك, وهذا دليل على حسن دينك وخلقك وأمانتك ونصحك فجزاك الله خيرا وزادكِ من فضله وتوفيقه.

- بخصوص اللعبة التي تمارسها صديقتك, فإن الإسلام لا يحرّم على المرأة الرياضة ولا الترفيه بل العكس ولكن بشرط التزام أحكام الشرع في الحجاب وغيره, كتحريم الخلوة بالأجنبي وتحريم لبس الملابس الضيقة التي تحجّم العورة أو الشفافة التي تظهر لون البشرة أو رؤية الرجال الأجانب لجسمها وقوامها، ونحو ذلك مما من شأنه الإثارة والإغراء والفتنة ويكون ذريعة ووسيلة للفاحشة والعياذ بالله تعالى؛ لقوله تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشةً وساء سبيلا)، فحرّمت الآية كل الوسائل التي تؤدي قطعاً أو بغلبة الظن إلى الفاحشة, وقد تقرر في قواعد الفقه أن (الوسائل لها أحكام المقاصد والغايات).

- لم تذكري – أختي العزيزة – نوع اللعبة التي تمارسها صديقتك, فإن كانت تتضمن ما سبق من المخالفات الشرعية فهي محرّمة شرعاً, وكذا فإن اختلاط النساء بالرجال الأجانب محرّم شرعاً إذا تضمّن تقارب الأنفاس بينهم وتلامس الأجساد إضافةً إلى ما سبق من الخلوة والملابس الممنوعة شرعاً, وأما إذا خلا عن المخالفات السابقة – ولا أظنها تخلو والله أعلم – فجائز.

- أما بخصوص كلام صديقتك مع الشاب الأجنبي, فإن صوت المرأة ليس بعورة, وإنما يكون عورة إذا كان مع لين وميوعة وخنوع ورقّة ووضاعة في الكلام؛ لقوله تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا) والمراد بالمرض: ضعف الإيمان بالنفاق وإتيان الفواحش والشهوة المحرّمة، فحرّمت الآية على المرأة الخضوع في القول وإباحة القول المعروف وهو ما عرفه الشرع وأقرّه من الكلام الجميل الحسن والخير الذي هو بعيد عن التمتع بالقول والتلذذ.

- وتواصل المرأة بالرجل الأجنبي عبر وسائل التواصل الحديثة مشروط بالضوابط السابقة من التزام القول المعروف وعدم التوسّع فيه فضلاً عن المنع من عبارات الغزل مع ضرورة الحذر من الاسترسال في المباح والانجرار إلى غيره (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) فعلى المسلم لاسيما المسلمة أن لا يزكّوا أنفسهم بتوهّم المناعة الإيمانية والأخلاقية العاصمة من الوقوع في مصائد الشيطان ومكره وخطواته واستدراجه إلى ما فيه هلاكه من الوقوع لغضب الله وعقوبته.

- لا مانع شرعي مما حصل من مخاطبة صديقتك لزميلها مادامت ملتزمة بشرط الحجاب والقول المعروف بعيداً عن عبارات الغزل والإعجاب ومع ضرورة عدم التوسّع في الكلام والاكتفاء بالكلام معه بحدود مافيه دلالته على الهدى والخير؛ لما يُعلم من أن صوت المرأة ليس بعورة أمام الرجال, وأنه جائز عند الحاجة بشروطها السابقة حيث لا خضوع في القول ولا انكشاف عورة، ولا خروج عن حدود الأدب والتوسع في المخاطبة.

- وعليه فلا بد عليها بعد ذلك ومن الآن التوقف عن مجالسته؛ سدّاً لذريعة الفتنة, حيث لا يخفى وقوع الكثيرات من النساء ذوات النوايا الطيبة في أسر وعذاب العشق والتعلق حيث يخرجن من حدود المباح إلى المكروه فالمحرّم لغلبة العاطفة عليهن, وكما قيل:
"خدعوها بقولهم حسناء ** والغواني يغرهّن الثناءُ".

فعليها الاكتفاء بإرشاده ودلالته إلى مجالسة أهل العلم والحكمة من الرجال, والأحسن دلالتهم عليه لدعوته وهدايته إلى الله, حيث يمكن للرجال التوسّع في الحديث لإقامة الحجّة وإزالة الشبهة ما لا يمكن للمرأة, ويكون لصديقتك بدلالته الأجر كاملاً؛ لما صح في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدىً كان له من أجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا) رواه مسلم.

- أوصيك بحسن التعامل مع صديقتك, والثناء بالجزيل والوفاء لها بالجميل, وزيادة التقرّب منها لتفعيل جوانب الخير عندها وتثبيتها عليه كالثناء على حرصها على تديّنها، وصلاح الشاب المذكور لكن مع ضرورة نصحها فيما تلبّست به من مخالفات شرعية وإشراكها معك في حضور واستماع دروس العلم والمحاضرات والخطب والمواعظ والبرامج النافعة والمفيدة والصحبة الصالحة, مع استغلال بركات هذا الشهر الفضيل والمبارك, وهذا أمرٌ مهم جداً وإيجابي ودليل وفاء منك ومحبة وفقكِ الله وسددك.

- أما عن سؤالك عن هجرها وقطيعتها, فإن ذلك لا يشرع إلا بشرطين: إذا كانت المعصية ظاهرة لا شبهة فيها ولا التباس, كما يشترط أن يكون الهجر مؤثراً في تركها للمعصية, أما إذا لم يكن مجدياً, وربما زاد في العناد والبعد عن الصحبة الصالحة, مع ما في الهجر من الإخلال بحق العشرة والصداقة فهو محرّم لمنافاته نصوص الشرع الواردة في حقوق الأخوة والنصيحة وفي الحديث: (الدين النصيحة) رواه مسلم.

- وأوصيك بالدعاء لكِ ولصديقتكِ بالثبات على الهدى والخير والرشاد , نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ويرزقنا الحياة السعيدة والكريمة والآمنة في الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً