الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من شعوري بأني بشعة بسبب ما تعرضت له من كلام سلبي، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكركم على مجهودكم وما تقدمونه من فائدة للناس.

مشكلتي أني لا أزال أعاني من ذكريات التنمر الذي استمر حتى تخرجت من المدرسة! كانوا يصفونني بالبشعة والقبيحة، مع اأنني وبحمد الله خلقتي كاملة ولا ينقصني شيء، كبرت و لا أزال أشعر أني أبشع من يمشي على الأرض ولا أزال ليومنا هذا أسمع تعليقات تسيء لشكلي، لدرجة أنني تخرجت من الجامعة ولا أريد حتى أن أعمل أو أنخرط مع المجتمع!

أصبحت أخشى النظر في عيون الناس حين أحادثهم، أشعر أني لست بمستواهم. حصلت على تفوق جامعي والناس دائما ما يقولون أني ذكية، لكن ما ألبث أن أفرح قليلا حتى تعود تلك الذكريات القاسية لملاحقتي مجددا.

صرت أتساءل: هل أنا مشوهة -لا سمح الله- وأنا لا أدري؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيناس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- اعلمي - ابنتي العزيزة - أن الحياة دار ابتلاء وممر لا دار إكرام ومستقر، وأن الإنسان فيها مبتلى ولا بد، فإما أن يبتلى ببدنه بالأمراض المتنوعة كالعمى والسرطان، وإما بماله بالفقر والجوع والديون، وإما بدينه – وهو الأعظم – بوقوعه في الانحرافات الفكرية والأخلاقية أو الكفر والعياذ بالله، ..وهكذا. (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين). نسأل الله العافية.

- فاحمدي الله على ثقتك بنفسك وإقرارك بنعمة الله عليك - وهو دليل على نعمة الله عليك وفضله وإحسانه - في أن خلقك جميلة في أحسن صورة وأحسن تقويم (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) (يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم الذي خلقك فسوّاك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركّبك)، حيث لا تشتكين العيوب الخلقية أو الأمراض المستعصية، كما لم يكن بلاؤك في دينك، وأن وفقكِ لنعمة الحمد والشكر على بلائه وقضائه، وأن لم يكن بلاؤك في أكبر مما ذكرتِ، وأن الله تعالى أكرم الشاكرين في الآخرة بالجزاء العظيم (وأما بنعمة ربّك فحدِّث) (وما بكم من نعمة فمن الله) (اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور).

- كما ينبغي أن تشكريه سبحانه على ما من الله به عليك من نعمة الذكاء والنبوغ والتميُّز والعافية، وكذا الجمال – بصورة مقبولة ومعقولة –، فاعلمي أن الجمال ليس دليل محبة وإكرام الله للإنسان فإن أكثر أهل المال والجمال هم الكفار والمنافقون (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم) (وكم أهلكنا قبلهم من قبل هم أحسن أثاثاً ورئيا) أي مرأى ومظهراً. وقال تعالى: (فلما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون). وفي البخاري: قوله لعمر: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولا الآخرة؟ أولئك قومٌ عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا)، فلنحرص على طاعة الله وشكره على نعمائه والصبر على بلائه والرضا بقضائه لتكون لنا الآخرة، كما أن الجمال أمر اضطراري لا اختياري حيث لم يختره بنفسه فلا يجوز أن يُشكر عليه الإنسان أو يعاب به؛ لأنه فعل الله وحده، فالعيب عليه يستلزم اتهام الرب تعالى -والعياذ بالله-.

- جمال الوجه لا يجوز أن يحرم الإنسان من افتقاد ماهو أجمل وأفضل لدى العقلاء والفضلاء، وهو جمال الروح والأخلاق واللسان والعقل والثقافة، فالجمال الحق ينبع من جمال الروح بأخلاقها وإيجابياتها فكم من إنسان نظنه عند النظر إليه آية في الجمال فإذا اختلطنا به علمنا أن روحه منفّرة وقبيحة ومريضة. وربّ وجه حسن أخفى نفساً خبيثة وقلباً شريراً، وكم رأينا من حصل الجمال من أهل السياسة والفن ثم عاشوا أسوأ أنواع العناء والشقاء أو انتهوا إلى الانتحار -والعياذ بالله-.

ولستُ أرى السعادة جمع مالٍ ** ولكن التقي هو السعيدُ.
جمال الوجه مع قبح النفوس ** كقنديلٍ على قبر المجوسِ
جمال الروح ذاك هو الجمال ** تطيب به الشمائل والخلال
ولا تغني إذا حسنت وجوهٌ ** وفي الأجساد أرواح ثقالٌ

- سر السعادة يكمن في القناعة والرضا بالله والثقة به ومناجاته والقرب منه والتوكل عليه وطاعته (ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه)، (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهو مهتدون) (ومن يعمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة)، كما أن المختصين يقررون أيضاً: بأن السعادة تكمن في فعل الخير وتعزيز العلاقات والصلة مع المقربين ورعاية النفس جسدياً ومالياً ونفسياً، فيمكن للإنسان أن يكون أكثر سعادة إذا اختار أن يكون سعيداً، وذلك بشراء السعادة فأنتِ المسؤولة الوحيدة فـ(المرء حيث يضع نفسه).

وما المرء إلا حيث يجعل نفسهُ ** ففي صالح الأعمال نفسكَ فاجعل

- الحياة قصيرة جداً وهي دار البلاء والغرور، فاحرصي على مزاولة الأعمال التي تكتسبين بها الخبرة والفائدة والمتعة كالقراءة وعمل الخير كمزاولة الأنشطة الرياضية كوني متفائلة ومبتسمة ولا تحزني على ما فاتك وانسي الماضي بسلبياته وتمتعي بحلالها ولا تضيّعي وقتك في الشعور بالألم ولا تجعلي أفكارك السلبية تسيطر عليك وخذي الأمور بسلاسة وعقلانية ولا تقارني حياتك بمن هو أفضل منك كما في الحديث (أنظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر – أي أحق – أن لا تزدروا نعمة الله عليكم) رواه مسلم. وبذلك يمكنك – بعد الثقة بالله والثقة بالنفس – أن تحوّلي الطاقة السلبية النفسية إلى إيجابية والشكوى إلى عمل ونجاح وإنتاج والمحنة إلى منحة والله الموفق.

- وأوصيك بتقوية الإيمان بطاعة االله والذكر وقراءة القرآن ولزوم الصحبة الطيبة والدعاء لله تعالى أن يرزقكِ التوفيق والسداد ويلهمك الرشد والهدى والخير والنجاح والزوج الصالح والصواب وسعادة الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً