الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعدي عن الله وعدم التزامي بالعبادات سبب تعاستي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب عمري 21 سنة، لم أواظب على صلاة ولا صيام رغم علمي أنهما فرض، ولا أنكرهما، لكني لا أعرف ما يمنعني عنهما.

أحاول الذهاب للمسجد، لكني أشعر بالضيق ولا أستطيع أن أكمل يوما كاملا أصلي، كما أني لا أحسن الظن بالله، حالي يؤلمني جدا، وأعيش في ضيق وحزن منه، ولكن لا أدري كيف الخلاص.

غرقت في المعاصي، وحياتي أصبحت كئيبة، ولا أهتم بالنظافة، وكسول، ونفسي تائهة حائرة بسبب بعدي عن الله، ولا أجد معنى للحياة، هل يمكن أن يغفر الله لي ويقبل توبتي؟ هل يقبلني الله؟ أريد أن أنتظم في الصلاة، ساعدوني بارك الله فيكم.

ولماذا لا أستطيع تغيير نفسي؟ برغم أني أحاول دائما، ولكني أقع في نفس الأخطاء مرارا وتكرار، لماذا لا ألتزم مع نفسي؟ لا أستطيع إكمال ما قررت فعله، أشعر أن إرادتي ضعيفة، علما أن أهدافي واقعية، ونجحت سابقا في تنفيذها، أرجو المساعدة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أكرم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنحن لا نراك بهذا المنظار القاتم الذي تنظر به إلى ربك، بل نقول لك وبكل ثقة: إذا أقبلت على الله سيقبلك، بل إن ربك يفرح بتوبتك وعودتك إليه، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها،وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح). وعليه فإن أول ما ينبغي أن تطرحه من رأسك هو مقولتك: هل يقبلني الله؟

ثانيا: نريدك أن تكرر على مسامعك عظم الصلاة وفضلها، اكتبها في ورقة وعلقها في غرفتك، استمع إلى محاضرات تتحدث عن الصلاة وفضلها وأهميتها حتى لو كنت تعلم، فأنت تعلم أن الصلاة عمود الإسلام، وأعظم شرائعه، وهي قرينة الشهادتين، وهي المخصوصة بالذكر في كتاب الله تخصيصاً بعد تعميم، كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) ، وهي المقرونة بالصبر، وبالزكاة، وبالنسك، وبالجهاد في مواضع من كتاب الله كقوله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وأمرها أعظم من أن يحاط به، والصلاة هي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، فعن أنس رضي الله عنه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ الصَّلاَةُ، فَإِن صَلَحَتْ صَلَحَ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ).

وهي الفارق بين المسلم والكافر، قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم قال: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ)، وعن شقيق بن عبدالله التابعي المتفق على جلالته - قال: "كان أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة"، وكانت آخر وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يعالج سكرات الموت: (الصَّلاَةَ، الصَّلاَةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ).

مثل هذه الآيات والأحاديث ينبغي أن تكررها على مسامعك صباحا ومساء؛ حتى تتولد عندك المعرفة التي تقود إلى الخشية والانقياد بأمر الله .

ثالثا: اعلم -أخي الكريم- أن أسباب الانتكاسة في الغالب الأعم تكون بسببين:
1- المعاصي.
2- أصدقاء السوء.

وعليك من الآن أن تبحث عن أصحاب صالحين، أهل مساجد، تذهب معهم وتعود معهم إلى الصلاة، فهذا معين كبير لك، كما عليك أن تتوقف عن معصية الله، وإن وقعت فاهرع بالتوبة وثق أن الله سيقبلك ما دمت صاقا.

رابعا: نريدك أن تستمع لبعض المحاضرات الوعظية الخاصة بالدار الآخرة والجنة والنار والموت والصراط والحساب، فإن هذه المحاضرات ستظهر لك الدنيا على حقيقتها، وكيف أنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ستظهر لك أن الدنيا قصيرة جدا، وأننا جميعا إلى الله راحلون، ولن يبيت في قبرنا أحد من أهل أو أصحاب، بل العمل الصالح وفقط.

وفي الختام : أنت وحدك القادر على تغيير حياتك، فلا تستسلم لليأس، ولا تتوقف عن المجاهدة، بل ابذل وسعك وستدرك بأمر الله غايتك، نسأل الله ان يحفظك وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً