الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صعوبة التعامل مع أمي كيف أعالجها؟

السؤال

السلام عليكم

أرجو المساعدة، هل يمكن أن يرد على استشارتي د/ محمد عبد العليم.

أنا فتاة، عمري 25 سنة، لدي صعوبة في التعامل مع أمي، بدأت هذه المشكلة منذ زمن ولكنها تفاقمت في الفترة الأخيرة.

في البداية أرغب في التوضيح أن كلامي التالي ليس الهدف منه ذم والدتي أو التقليل من شأنها، ولكنني أرغب في الحديث بصراحة عما أشعر به كي تتمكن من فهم المشكلة ومساعدتي.

المشكلة هي: أنني لا أستطيع التحدث مع أمي فهي إما غير متفرغة وغير مهتمة، أو ترد بصراخ وعنف، وآخر موقف حدث بيننا رغبت فيه في التحدث إليها صرخت في وجهي صراخا شديدا، وضربتني على ظهري بقدمها.

أشعر بأنها لا تتقبلني، ولا تفهمني، ولا تحترمني، أشعر بخيبة أمل فيها، وأنها ليست أهلا لثقتي، فعندما أحتاجها لا أجدها بجواري، وقد أثبتت المواقف التي مررت بها ذلك، فقد مررت بعدة أمور في السابق مثل: مشاكل في الدراسة والعمل، وخطبة غير موفقة، فأين كانت هي في كل ذلك؟! وكيف تصرفت؟ لا أرغب في تذكر أحداث مضت وانقضت، ولكن أليس مهما أن أتعلم مما حدث كي لا يتكرر معي نفس الشيء مرة أخرى؟

ما توصلت إليه هو أنني لا أرغب في أن أكون مثلها، فحين أتعامل معها ينتهي بي الأمر، وأشعر أنني سيئة، وأن كل ما يحدث في حياتي من أحداث هو خطأ في خطأ، أو نتيجة أفكاري الخاطئة، وأحكامي الخاطئة أيضا، وأولوياتي المرتبة ترتيبا خاطئا على حد قولها، فهي تصفني بالعبء وبنبات شيطاني، وكلمات أخرى كثيرة سيئة، علما بأنني فعلا أحاول الاجتهاد وتحسين حياتنا.

حاولت فهم أسلوبها ولماذا تتصرف هكذا؟! قلت: ربما مضغوطة بسبب العمل، أو لا تعرف كيف تتعامل معي؟ أو ربما تربت هكذا، فعندما أستشيرها في أمور لا أجد لديها الحل، ولكنني أصدقك القول لم أجد لها عذرا في كل ذلك!!

هل يعني أنها تعمل لتتنصل من واجباتها كأم؟ هل إن تربت بصورة غير جيدة يبرر لها أن تعاملني بطريقة غير جيدة؟ وهل معنى ذلك أنني أيضا سأصبح أما غير جيدة؟ أسئلة كثيرة ومخاوف تدور في ذهني ولا أجد لها إجابة.

أشعر بأنني غاضبة منها وحزينة، وأصبحت أشعر بصعوبة في أن أنظر إلى وجهها، أو أجلس معها في مكان واحد، بالإضافة إلى بعض الأعراض مثل: (الشعور بالتعب، والنسيان، وعدم القدرة على التركيز، والقلق، والأرق، والبكاء)، وأيضا ألومها على كل ذلك، فإن لم تكن هي السبب الوحيد في ما يحدث معي فهي تزيد الأمور سوءاً بمواقفها معي.

حاولت التقرب إليها كثيرا ومساعدتها في أمور المنزل، فأنا أجلب لها الهدايا، وأتحدث معها بأسلوب هادئ، مع سؤالها بطريقة مباشرة ما الذي يضايقك؟ فهل أستطيع المساعدة؟ ولكن لم ينفع معها شيء، والأمور تزيد سوءا.

كيف يمكنني التعامل معها بطريقة لا تؤذيني نفسيا وجسديا؟ وكيف أصد كلامها وأفعالها وأجعلها لا تؤثر على حياتي وأفعالي؟ وأيضا كيف أتصرف في الأمور التي لا بد أن أعتمد على علاقتي بأمي فيها مثل: مشكلة صحية تواجهني، أو خبرة جديدة مثل: الخطبة والزواج؟ وإن كنت سأكتفي بالتعامل السطحي معها ولا أعتمد عليها كصديقة أو مثلي الأعلى فأين أجد من يقوم بهذا الدور؟ علما بأنه ليس لدي في الوقت الحالي أصدقاء مقربون، فأنا الابنة الكبرى.

وأريد أن أذكر بعض الأشياء التي حاولت حل المشكلة بها:
1. محاولة زيادة ثقتي بنفسي عن طريق التركيز على إيجابياتي ومميزاتي في الدراسة والعمل.

2. محاولة الاستقلال المادي عن أمي، فأنا أعمل الآن لكي أصرف على دراستي واحتياجاتي بنفسي، وأيضا في محاولة لجعلها تحترمني قليلا.

3. مشاهدة بعض فيديوهات التنمية البشرية، والتعامل مع الآخرين.

4. الاشتراك في دورة عن طريق الإنترنت؛ لتقوية الشخصية، والقدرة على الفهم، والتعامل مع نفسي والآخرين.

5. قراءة بعض الكتب.

حاولت أن أكون مختصرة قدر الإمكان، فأتمنى أن أكون قد استطعت توضيح المشكلة، فهل يمكنك مساعدتي بخطوات عملية، أو خطة عمل أستطيع اتباعها للحد من هذه المشكلة التي تتعبني؟

وشكرا لك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ shams حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا وأختنا الفاضلة-، وأشكر لك الاهتمام والسؤال، ونسأل الله أن يوفقك ويسددك ويصلح الأحوال، وأن يرزقك إرضاء والدتك والصبر عليها، وأن يحقق لنا ولك في طاعته الآمال.

لن تكوني أما فاشلة، ووالدتك ليست فاشلة، ولكنك في مرحلة عمرية تحتاج الوالدة إلى فهمها، كما أنك بحاجة إلى فهم والدتك، وأنت أصبحت كبيرة ومسؤولة وتشعرين بذلك، ولكن الوالدة تراك صغيرة في تصرفاتك وفي جميع أمورك، ونحن لا نوافقها على ذلك، ولكن ذلك حاصل، وننتظر منك تفهم الوضع وإظهار ما فيك من إيجابيات حتى تنالي ثقتها، والطريق طويل، ودور من حول الوالدة كبير، فهل عندك خالات أو جارات عاقلات؟

كنت بحاجة إلى أن أعرف شيئا عن الوالد، وأتوقع أنه يحبك ويقدمك وهذا طبيعي، ولكنه إن حصل سوف يعمق المشكلة وستعتبر الوالدة أنك مع والدك، وأنه يدللك، وأنه السبب في الذي يحصل، وإذا زاد اهتمام الوالد بك فقد تغار منك، وأنت مطالبة بأن تطيعي والدك ولا تعصي أمك، كما قال الإمام مالك لمن سأله أمي تأمرني وأبي ينهاني.

وإذا كنت محبوبة ومشهورة في محيطك الأسري والعائلة وعند الجارات فهذا أيضا له علاقة بما يحدث، أتمنى أن يصلني توضيح حول هذه النقطة والنقطة التي قبلها المتعلقة بالأب إذا كان الأب موجودا.

وأرجو أن تعرضي لنا موقفا متكاملا ورأي الوالدة فيه ودورها مثلا في موقف الخطبة التي أشرت إليها حتى يتم تحليل الموقف، ومن ثم تحليل شخصية الأم، وتحليل طريقتك في التعامل مع الموقف ومع الأم، وما هي الرسائل غير المكتوبة التي تصل إلى الوالدة؟ ثم ما هي الرسائل الخاطئة؟

لقد قمت قبل سنوات بمطالبة 400 شاب وفتاة في سنك وأصغر بالإجابة على بعض الأسئلة الخاصة بعلاقتهم بالآباء والأمهات، وطلبت منهم عدم كتابة الأسماء، وطمأنتهم بأن الأوراق لن يراها أحد، فجاءتني أشياء مهولة جعلتني لا أستغرب كثيرا مما كتبتيه لنا اليوم، وأخبرك بأنه يتكرر مع كثير من أبنائنا وبناتنا، وأسميت الورشة -افهمونا لو سمحتم- ثم التقيت بأبنائي وبناتي وقلت لهم: أنا سوف أمثل الآباء والأمهات في حواري معكم، وقد قرأت ما كتبتم وأنا منزعج ومتألم لمعاناة الكثيرين منكم، ولكنني أريد أن أسأل سؤالا واحدا فأجيبوني بصراحة، ثم قلت لهم قد نقسوا عليكم وقد نشتم ونضرب، وأنا أعترف أن ذلك لا يقبل، ولكن ألا تتفقون معي أننا عندما نفعل ذلك نريد مصلحتكم، ولكننا أخطئنا الطريق الصحيح، فكان الإجماع أن الآباء والأمهات في تلك المواقف المؤلمة نياتهم طيبة ويريدوا مصلحتنا ولكنهم بلا شك أخطأوا، فقلت لهم أنا أطالبكم بأن تنظروا إلى نياتنا مع أفعالنا فالفرق كبير بين من يريد أن ينفعك ولكنه يضرك، وبين من يقصد الضرر والأذية وينفذ ما في نفسه، ثم التقيت الآباء والأمهات في ورشة كان عنوانها -نحبكم ونسعى لفهمكم-.

وهذه وصيتي لك بتقوى الله، ثم بكتمان المشاعر السالبة عن والدتك، وأعجبني ما أشرت إليه من أنك لا تقصدي التنقيص منها، وذاك دليل على وعيك ونضجك، ونذكرك بأن الصبر على الوالدة من أوسع أبواب البر بها، ونبشرك بأن البر عبادة والمهم فيه هو إرضاء رب العالمين، وإذا لم يرض الوالد أو الوالدة رغم قيامك بما عليك فالعزاء في قول الله في ختام آيات البر: (ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا).

نسعد بتواصلك مع الموقع، ونتمنى أن تفوزي في المرات القادمة بإجابات من أستاذنا الكبير الدكتور/ محمد عبد العليم -حفظه الله- وحفظك، ووفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه، يمكنك التواصل على واتساب 0097455805366

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً