الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفضت الخاطب لأني لم أرض دينه، ولكني ندمت!

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة عمري 32 سنة، تقدم لخطبتي شاب، سألنا عنه، وعلمنا أنه رجل طيب يصلي، وعلى قدر من الأخلاق، لكنه مدخن، فصليت صلاة الاستخارة مرات عديدة، وبعدها قمنا بالرؤية الشرعية، لكن لم تتقبله نفسي، وكنت مهمومة ومكتئبة لحد البكاء، وصليت مرة أخرى وبعدها رفضت العريس.

من بعدها شعرت بالندم، وبدأت تراودني أفكار أني تكبرت على نعمة الله، وخاصة بعدما كنت أدعو الله أن يبشرني بزوج صالح مع العيد، وجاء هذا الرجل لكني رفضته، وصرت خائفة من أن يحرمني الله عز وجل من نعمه بسبب ما فعلت، وأنا أدفع وأجاهد اليأس، والصراحة ندمت لأني رفضته في نفس اللحظة التي نطقت بالرفض.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك – ابنتنا الكريمة – في استشارات إسلام ويب، نسأل الله أن يُقدّر لك الخير حيث كان، وأن يُرَضِّيك به، وأن يُخلف عليك كلّ غائب وكلّ فائت.

ونصيحتنا لك ألَّا تُبالغي في الحزن والاكتئاب لما قدّره الله، فالله تعالى أعلم بما هو صالحٌ لك، وكلُّ شيءٍ بقضاء الله تعالى وقدره، حتى العجز والكيس كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم : ((كلُّ شيءٍ بقدر حتى العجز والكيس) يعني: حتى المواقف التي نقفها ونكون فيها أذكياء حازمين، فهي أيضًا بقضاء الله وقدره، والمواقف التي نكون فيها عاجزين أو فعلنا خلاف ما يكون فيها الحزم هي أيضًا بقضاء الله وقدره، وقضاء الله وقدرُه أمرٌ سابق، فقد قدّر الله مقادير الخلائق قبل أن نُخلق، قال عليه الصلاة والسلام: ((كتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ))، فهذا الحديث يُبيِّن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت كتابة هذه المقادير، فكلُّ شيءٍ قد فُرغَ منه، فلا تُبالغي إذًا في لوم نفسك وعتاب نفسك على أمرٍ قد قدّره الله تعالى.

واعلمي تمام العلم أنه ما كان بإمكانك أبدًا أن تُغيّري هذا القدر، فما دام قد كتب الله ألَّا تتزوجي هذا الرجل فإنك لن تتزوجيه، سواء حصل ذلك بسبب هذا الرفض أو سيحصلُ بغيره، فإذا علمتِ هذا وتمكّن هذا العلم من قلبك زال عنك هذا الحزن وهذا الهمّ، وهذا ما أخبرنا الله تعالى به في كتابه، فقال سبحانه: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلَّا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}، فالإيمان بالقدر يطرد عن النفس هذا الحزن وهذا الهم.

فإذًا أريحي قلبك، ولكن ننصحك فيما يُستقبل أن تكوني حازمة في الأخذ بالسبب، وألَّا تُبالغي في الاشتراطات فيمن يتقدّم لخطبتك، فإذا وجدتِّ الرجل المناسب فبادري بالقبول، فإن المبادرة بالزواج خير، وطلب الكمال في الناس عزيز، ولكن احرصي على أن يكون مَن تتزوجينه رجلاً مناسبًا من الناحية الدينية، فإن الرجل الصالح – الرجل الذي يخاف الله تعالى – إن أحبَّ زوجته أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها حقَّها، فسددي وقاربي، واجتهدي بقدر الاستطاعة في البحث عن أمثل الأشخاص الذين يقتربون من هذه الصفات.

فإذًا أقبلي على الله تعالى بنفسٍ راضيةٍ مطمئنة، وأكثري من دعاء الله تعالى أن يُخلف عليك ذهاب هذا الرجل، وأن يرزقك الزوج الصالح المناسب، وأبشري إن شاء الله تعالى سيكونُ خيرًا، فإن انتظار الفرج عبادة من العبادات يُحبُّها الله تعالى من الإنسان، ويُحبُّ من الإنسان المؤمن أن يُعلِّق قلبه بالله، وأن يُحسن ظنَّه بالله، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: ((أنا عند ظنّ عبدي بي، فلْيَظُنّ بي ما شاء)).

نسأل الله أن يقدر لك الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً