الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ثمرة الرضا بما قسم الله من الرزق وأثره على السعي في زيادة المال

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أشتغل مبرمج كمبيوتر، والحمد لله أقبض راتباً كبيراً والحمد لله، وأنا راض عنه كل الرضا في نفسي، ولكن عندما يسألني أصدقائي عن مرتبي أقول لهم: إن مرتبي صغير جداً، وكأني غير راض عن مرتبي، ولكني أحمد الله دائماً على كل صغيرة وكبيرة، وفعلاً مرتبي صغير جداً بالنسبة لهم، فهل هذا عدم رضا أم لا؟

وأصدقائي في الشركات الأخرى يقبضون أكبر مني، وأنا أفكر أن أكون في إحدى هذه الشركات، فإذا ذهبت إلى إحدى الشركات هذه فهل هذا يعتبر أيضاً عدم رضا أم لا؟ ومتى يكون عدم الرضا ومتى يكون الرضا؟ وهل إذا كنت أريد مالاً أكثر من الذي معي، فهل هذا عدم رضا؟ أرجو إخباري بهذا؛ لأني لا أعرف أن أفرق بين الرضا وعدم الرضا، مع أني أعرف عن الإسلام أنه لابد من النجاح فلابد أن أنظر إلى الأمام.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الكريم/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك، ويلهمنا جميعاً رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.

فإن الإنسان إذا رضي بقسمة الله كان أسعد الناس، والمؤمن يعترف بفضل الله عليه ويظهر نعمة الله عليه، وقد قال ربنا تبارك وتعالى: (( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ))[الضحى:11]، وقال سبحانه على لسان نبيه سليمان عليه الصلاة والسلام: (( هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ))[النمل:40]، والله تبارك وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.

والمؤمن يحرص على شكر ربه لينال المزيد وحتى يتمكن من حفظ نعمة الله من الزوال؛ فإن السلف كانوا يسمونه الشكر الجالب، ويسمونه الحافظ، وقد وعد الله الشاكرين بالزيادة فقال سبحانه: (( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ))[إبراهيم:7]، والله سبحانه غني عن شكر الشاكرين، ولكننا ننتفع بشكرنا لله، قال تعالى: (( وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ))[النمل:40].
والشكر كما عرفه ابن القيم رحمة الله عليه: (هو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافاً، وعلى قلبه شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه انقياداً وطاعة).

وأرجو أن تنظر إلى من هم أقل منك ولا تنظر إلى من هم فوقك، وهذا هو توجيه رسولنا صلى الله عليه وسلم القائل: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم كيلا تزدروا نعمة الله عليكم)، والعاقل يعي هذا المعنى فينظر إلى من هم أقل منه في المال والعافية والولد وكل أمور الدنيا، أما في الدين فإن المسلم ينظر إلى من هم فوقه ليتأسى بهم.

ومما يعينك على بلوغ منزلة الرضا معرفتك للنعم التي تتقلب فيها، فليس المال هو النعمة الوحيدة وليست النعمة في المال بكثرته، ولكن العبرة ببركته وبكونه من الحلال الطيب، فاحمد الله على نعمه واشكره على هباته وعطاياه، واعلم أن الشكر أرفع من الرضا، ويكون بالعمل بطاعة الله: (( اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا ))[سبأ:13]، وكما قال ابن القيم: يستحيل وجود الرضا بدون الشكر، ومن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط.

ومما يعين الإنسان على بلوغ منزلة الرضا علمه بضعفه وعجزه، وتذكره لرحمة الله به وثمرة الرضا والفرح والسرور بالرب تبارك وتعالى.

ولا مانع من أن يسعى الإنسان في تحسين وضعه، وليس في ذلك اعتراض أو عدم رضا، وكل إنسان مطالب بالسعي والبحث عن الرزق، قال تعالى: (( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ))[الملك:15].
فانظر إلى الأمام واطلب المعالي ولكل مجتهد نصيب، والغنى ليس بكثرة الحرص أو المال ولكن الغنى غنى النفس، والقناعة كنز، وأحسن الشاعر حين قال:
هي القناعة لا تبغي بها بدلاً **** فيها العفاف وفيها راحة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها *** هل راح منها بغير القطن والكفن
ونسأل الله أن يرزقك السداد والرشاد، وأن يبارك لك في رزقك، وأن يشغلنا جميعاً بطاعته.
والله ولي التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً