الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفقد الاستيعاب وأشعر أن عقلي ليس معي!

السؤال

السلام عليكم.
الدكتور الفاضل محمد عبد العليم، أرجو الرد منك بشيء من التفصيل.

قبل خمسة أشهر أصبت بنوبة هلع جراء كورونا، وكنت في حالة توتر وخوف شديد، فأصابني القولون والأرق أيضا. ذهبت عني الأعراض الجسدية وبقيت النفسية ممتدة حتى الآن، وهي:

دماغي لا يستوعب ما حدث معي؛ وهذا يقلقني ويعكر مزاجي، وأحيانا أقول إن هذا بداية الجنون، ودماغي يتوقف عن التفكير لثوان ولا أعرف أين أنا! كالتائه، أرجو تفسير الحالة؛ لأني غير متقبل لها، هل هذا شيء من الصدمة؟

أشعر أيضا أن عقلي ليس معي، فعقلي في مكان وجسمي في مكان آخر، أحيانا أشعر بالعصبية وأحيانا تستقر حالتي حتى كرهت وضعي العام.

الأشهر الخمس الماضية أشعر كأنها كالكابوس الذي يريد أن يبتلعني، وأتساءل متى سنتتهي الحالة؟ وأشعر أنها سترافقني مدى العمر، وهذا يضيق صدري، أيضا أشعر أن الناس في واد وأنا في واد آخر، أستغرب منهم كيف يضحكون!

هذا السيل من الأفكار جعلني في صراع، ودماغي في حالة خوف من الحالة التي بها، وأظن أن الخوف هو الذي يزيد حالتي سوءا، منذ أن أستيقظ أجد نفسي أمام سيل من الأفكار السخيفة والصبيانية، لكن سيطرت علي للأسف، عندي ما هو أهم من هذه الأفكار وحياتي أصبحت لها!

كما وأني أشعر بإحساس الموت عندما أكون نائما، وتزداد ضربات قلبي جدا، وينتفض الجزء الأيسر من الجسم، ويحدث فوران داخلي وفي الدماغ أيضا.

الآن أنا أتناول فافرين ٥٠، وزيسبيرون ٢، واكتينون مرتين يوميا، وأشعر أن سيل الأفكار قل لكن نوبات الهلع زادت معي، هل فافرين له علاقة بذلك؟

أشعر بالهزيمة النفسية والاحتقار.

انصحني أرجوك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Basem حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية.

أجاب الدكتور عبد العزيز أحمد عمر على استشارتك التي رقمها (2441598) وذلك منذ حوالي شهر ونصف، وقد أسدى لك الإرشاد المطلوب، والذي أرجو أن تتبعه.

أخي الكريم: بالنسبة لاستفساراتك، أنت من الواضح تعاني من قلق المخاوف ذي الطابع الوسواسي، كل الأفكار الافتراضية التي تأتيك والتأويلات هي أفكار وسواسية ولا شك في ذلك.

بالنسبة لموضوع عدم استيعابك للحاصل وتوقف الأفكار فجأة: هذه ميزة من ميزات القلق النفسي الشديد، أن الأفكار تتسابق وتتشاكس وتتداخل وفجأة قد ينقطع حبلها ثم تعود من جديد وبصور مختلفة.

شعورك أن عقلك ليس معك: هذا طبعًا شعور بالتغرُّب معروف، والبعض يُسميه باضطراب الأنّية، والبعض يُسميه مسميات أخرى.

فإذًا - أخي الكريم - حالتك كلها مفسّرة جدًّا، النواة القلقية لديك شديدة، ويظهر أنه أصلاً لديك استعداد للقلق، لكن هذه الحالات تُعالج بصورة ممتازة، خاصة أن الأعراض الجسدية الحمد لله قد انتهت، وهذه أيضًا سوف تنتهي.

حقيقة: يجب أن تدخل في برنامج واضح للعلاجات غير الدوائية، وسوف نتكلم عن الدواء بعد ذلك. تمارين الاسترخاء يجب أن تطبقها بكثافة، وبالتزام تام، ممارسة الرياضة يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من حياتك، تجنب أيضًا النوم النهاري واحرص على النوم الليلي المبكّر، ويا أخي: أن تُكثر من التواصل الاجتماعي، أن تقوم بالواجبات الاجتماعية، أن ترفه عن نفسك بما هو طيب وجميل، عملك أيضًا عمل ممتاز، فحاول أن تكون مُبدعًا في عملك، وأن تحب عملك.

إذًا: عدم ترك كبير للفراغ الذهني والنفسي هي أحد الوسائل المهمة جدًّا لعلاج هذا النوع من الحالات، فأرجو أن تحرص تمامًا على ما ذكرتُه لك، وتمارين الاسترخاء على وجه الخصوص يجب أن يكون هناك تركيز منك عليها، توجد برامج كثيرة جدًّا على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة هذه التمارين، وإن كان بالإمكان أن تذهب وتقابل أخصائيا نفسيا ليُدربك عليها، هذا أمرٌ أيضًا ممتاز.

أيها الفاضل الكريم: طبعًا الـ (فافرين) دواء جيد وإن لم يكن هو العلاج المثالي لعلاج نوبات الهرع والوسوسة والمخاوف. الدواء الأمثل قد يكون هو الـ (سيرترالين) وكذلك الـ (استالوبرام)، لكن ما دمت بدأت الفافرين إذًا تحتاج أن ترفع الجرعة حتى إلى مائتين مليجرام يوميًا، لتكون جرعة علاجية، الجرعة التي تتناولها -وهي خمسين مليجرامًا- هي جرعة تمهيدية وليست جرعة علاجية أبدًا، لا يمكن أن تُدخلك في الطيف العلاجي الصحيح.

فيا أخي الكريم: ارفع جرعة الفافرين إلى مائة مليجرام لمدة أسبوع، ثم اجعل الجرعة مائتين مليجرامًا ليلاً كجرعة واحدة على الأقل تستمر عليها لمدة شهرين أو ثلاثة، ثم بعد ذلك تبدأ في التخفيض التدريجي.

الـ (رزبريادون) دواء داعم بجرعة اثنين مليجرام، تناوله لمدة شهرين، ثم اجعل الجرعة مليجراما واحدا ليلاً، سيكونُ كافيًا جدًّا، استمر عليها لمدة ثلاثة أشهر مثلاً، ثم توقف عن تناول الرزبريادون.

الـ (اكتينون) قطعًا ليس له دور علاجي كبير.

فيا أخي: هذا هو الذي أود أن أنصحك به، ونوبات الهلع كثيرة جدًّا ومنتشرة، وعلاجها سهل جدًّا، ويكون على الأسس والمبادئ العلاجية التي ذكرناها لك.

نسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً