الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حائرة في أمر الزواج ولا أعلم هل أقبل بمن تقدم لي أم لا؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أرجو أن تفيدوني بحل المشكلة، أنا حائرة فماذا أفعل؟ أنا فتاة، أبلغ من العمر 39 سنة، حيث في الآونة الأخيرة تقدم لي شخص، لا أعرف عنه الكثير سوى أنه يعمل في وظيفة متواضعة، إضافة إلى أن مستواه العلمي أقل مني بكثير، فأنا حاصلة على الدكتوراه، وهو لم يتجاوز حتى مرحلة المتوسط، وأخاف أن لا يحصل توافق فكري بيننا.

والمسألة الثانية: أعيش مع أمي المريضة، وأنا التي أعتني بها، كما أنني أستخير الله ولكنني في حيرة، أفيدوني فماذا أفعل؟

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك –عزيزتي- في الشبكة الإسلامية، ونشكر لك ثقتك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن ينير لك بصيرتك ويكون اختيارك سليما موفقا.

أنت تعرفين أن الزواج سنة الحياة، وهو السبيل إلى الاستقرار والسكينة، ومن حقك وحق كل فتاة أن تختار شريك حياتها، فلها أن تقبل من يتقدم لخطبتها ولها أن ترفضه، تختار الذي ترتاح معه، وتشعر بالسعادة في صحبته ومشاركته إياها المستقبل، وبالتالي فهي التي تحدد أولوياتها في من يشاركها حياتها، هناك فتيات يفضلن العلم والشهادات، وهناك اللاتي يبحثن عن الثراء والمال، وهناك اللاتي يجدن أن الحياة الزوجية لا تقوم إلا على الحب، وهناك الباحثات عن الحسب والنسب، وهكذا لكل نفس هواها، ولكل قلب رغبته، ولكل فتاة حججها ومبرراتها وأسبابها، ولا تلام فتاة فيما يميل إليه قلبها طالما تأتي هذه الرغبات بعد التأكد من وجود ركيزة الاختيار، وهي ركنا قبول الخاطب وهما الدين والخلق، كما أوصى بهما النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله:" إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".

بناء على أمر نبينا -صلى الله عليه وسلم- يكون أساس اختيار شريك الحياة دينه وخلقه، فإن كان صاحب دين يخشى الله تعالى، فيلتزم أوامره، ويقوم بالطاعات، ويتجنب نواهيه، فيبتعد عن المعاصي، وصاحب خلق يحسن التعامل مع الآخرين وتصدر تصرفاته وسلوكياته وفق تلك الأخلاق التي تمنعه من الإساءة وتحثه على الخير والشهامة والمروءة، فإن كان الخاطب يتحلى بهذين الركنين فلتنظر الفتاة بعد ذلك إلى ما تراه يكمل لها الرضا به، والموافقة عليه، أما إن خلا من هذين الركنين، أو أحدهما فلا خير فيما يملكه من متاع الدنيا من تعليم وثراء وحسن ومعسول الكلام وغيره، فكلها زائلة، إضافة أن تميز الرجل الخاطب -بعد دينه وخلقه- يكون بوجاهته ووضعه الاجتماعي، واستعداده لتحمل المسؤوليات.

ولقد ذكرت –عزيزتي- أن الشخص المتقدم إليك يعمل في وظيفة متواضعة، وتعليمه أقل منك، وأنت حاصلة على دكتوراه، ولم تذكري دينه وخلقه، لذا أقول لك: إذا كان الخاطب ممن يتحلى بالدين والخلق فإن ما سواهما أمره هين وسهل، فمثلا مشكلة تعليم الخاطب يمثل بالنسبة لك عائقا، يمكنك هنا حل هذه المشكلة بالاشتراط عليه أن يكمل دراسته، ويمكنك بعد الزواج –إن شاء الله- مساعدته بتقديم العون له وتدريسه وتشجعيه وحثه على إكمال تعليمه، فأنت دكتورة، وهذا يجعلك قادرة على دفعه إلى الأمام وتحفيزه على الاجتهاد، وذلك بأن تخبريه أن أبناءكما في المستقبل سيفتخرون بوالديهما الحاصلين على شهادات عليا، وليس أحدهما أقل من الآخر، وأخبريه أن هذا دافع لأبنائكما للدراسة والاجتهاد.

أما إذا لم يقبل شرطك في إكمال دراسته، فأنت حينئذ مخيرة بين أمرين: إما أن تقبليه كما هو، وتقارني إيجابياته بسلبياته، وعلى أساسها تأخذين قرارك بالموافقة عليه، أو ترفضيه، وتنتظري نصيبك مع رجل آخر، والزواج قسمة ونصيب، ورزق من الله لن يمنعه أحد إذا قدره الله تعالى لك، ولكن أنصحك -عزيزتي- بعدم تفويت الفرصة إذا وجدت إيجابياته أكثر، فالعمر يمضي ونسبة القدرة على الإنجاب يقل بالنسبة للفتاة، ففكري بعقل ومنطق وعاطفة.

وأما مسألة التوافق الفكري –عزيزتي-، فإن الشهادات العلمية ليست شرطا لوجوده من عدمه، والواقع أثبت ذلك، فكم من حامل شهادة متحجر العقل غير مرن، يتعصب لرأيه، ولا يتقبل الرأي الآخر، ويتصرف بغير عقلانية، وكم من شخص بسيط التعليم متوقد الذكاء، سديد الرأي، حكيم، مرن، ولنا في الصحابة رضي الله عنهم والعلماء الأجلاء والسلف الصالح وكثير من السابقين، وأخيرا وليس آخرا في أجدادنا وآبائنا قدوة في العقول المفكرة والناضجة والحكيمة، والأغلبية الساحقة منهم غير متعلم، ومنهم أميون!

وأما بشأن وظيفته المتواضعة: فيمكنه البحث عن غيرها، أيضا يمكنه الالتحاق بعمل إضافي لتوفير المال لاستقرار حياتكما في الوقت الحالي حتى يجد العمل المناسب، وأيضا يستطيع القيام ببعض المشاريع الإلكترونية التي تناسب ميوله وهواياته، فالتجارة الإلكترونية أصبحت شائعة ومتنوعة وناجحة، والله سبحانه وتعالى لا يضيع جهد عبد سعى في نيل رزقه بالحلال والكفاح.

موضوع والدتك المريضة –شفاها الله وعافاها وحفظها لك- وعنايتك بها –جزاك الله خيرا ورزقك برها-: فاعلمي أن موضوع زواجك لن يؤثر على والدتك الفاضلة –إن شاء الله- إلا بالخير، فإن لديك أكثر من خيار في هذا الأمر:
- تستطيعين أن تعيشي أنت وزوجك معها بعد الزواج إن وافق هو، فتكونين بقربها وتقومين على رعايتها.
- أما لو كان الزوج لديه منزل مستقل فيمكنك أخذ والدتك معك إذا سمحت ظروف زوجك بذلك، وقبلت والدتك بالانتقال.
- ويمكنك الاتفاق مع إخوتك –لو لديك إخوة بنات أو شباب- بحيث تتناوبون على رعايتها، بحيث تقسمون ساعات اليوم بينكم كل شخص منكم يبقى معها عددا من الساعات بحسب ظروفه.
- إن لم يكن لك إخوة وكنت وحيدة والدتك، فيمكنك استقدام فتاة تقوم برعايتها والعناية بها، وتمرين عليها كلما سنحت لك الفرصة بالإضافة إلى تعيين وقت لزيارتها يوميا والاطمئنان عليها.

أخيرا عليك بهذه الإرشادات فإنها سوف تنفعك -بإذن الله-:
- استعيني بالله تعالى وتوكلي عليه، وسيأتيك الفرج إن شاء الله .
- حافظي على صلواتك في وقتها وتوجهي لله بالدعاء، وأخلصي النية في أعمالك وسوف تشعرين بالطمأنينة والسكينة والرضا.
- حافظي على الأذكار، أذكار الصباح والمساء، وأذكار ما قبل النوم، والأذكار عامة، وستطمئن نفسك ويرتاح قلبك -بإذن الله-.
- استخيري الله، فإن الاستخارة لا تأتي إلا بخير، واستشيري العقلاء من أسرتك وممن حولك من أصحاب البصيرة النافذة والخبرة في الحياة والرجال، فكما قيل: ما خاب من استشار ولا ندم من استخار.

أسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً