الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أعيد تنظيم علاقتي مع صديقتي؟

السؤال

السلام عليكم

أنا طالبة بالجامعة، اجتماعية، ومن أول سنة دراسية كانت هناك طالبة دائمة التحدث معي، وترسل لي هدايا -رغم انزعاجي من كثرتها لكونها كلفة عليها- وفي إحدى المرات أصابني صداع شديد وقت الدوام، وقامت بمساعدتي وتحفيف الألم، وأرسلت لي أنها تخاف علي جداً، وتنصحني بقراءة أذكاري؛ ولأني عاطفية جداً أحببت اهتمامها وآنسته جداً، كانت لأول مرة تعبر لي عن ذلك، ومن حينها تقربت لي أكثر، وأصبحت أقرب صديقة تشاركني كل تفاصيل يومي، وتغمرني بحبها وودها، تحتضنني وتمسك يدي، وتمسح على رأسي، اغدقت علي بحنان كحنان الأم، وكنت أشعر بمشاعر جياشة بداية الأمر، وكنت أحب قربها بجانبي، ولطالما كانت تعبر عن محبتها لي بشكل كبير، وأنها تحبني أكثر من كل شيء، هي محترمة جداً وطيبة، ولكنها انطوائية، ولديها مشاكل اجتماعية كثيرة.

قربتها من باقي صديقاتي، واستمرت علاقتنا قرابة الأشهر، كنت ألاحظ تعلقها بي، ولكن لم أعرها اهتماما، وكانت تتضايق جداً إذا انقطعت عن مكالمتها يوما، بعدها بفترة أصابتني أفكار غريبة أن طبيعة علاقتي بها غير سوّية؛ لأنه ولأول مرة تكون لدي صديقة هكذا، وابتعدت عنها، ولم أكلمها ونفرت منها، وأصابني الهم والكدر، ودخلت في حالة اكتئاب إلى اليوم لم أتجاوزه، رغم أني أعلم أني لست كذلك وأكرهه، تعبت هي كثيراً أيضاً، كل ذلك كان في فترة إجازة فلم أرها ولم ترني، فأطلب الحل بعد الله من حضرتكم.

أشعر بالذنب تجاه نفسي، والوساوس والأفكار لا تنقطع عني، وأتذكر تفاصيل علاقتنا وأؤكد أنني سيئة، ثم أقطع الفكرة، وأنكرها ثم أعود، فهل هذا وسواس؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً وسهلاً بك عزيزتي، وأشكر ثقتك بنا.

بداية أُقدّر قلقك وتخوفك وتفكيرك اللامنقطع في هذا الموضوع، فمن الواضح لي من رسالتك أنك فتاة على خُلق ودين، وهذا ما جعلك تشعرين بالهم والكدر والكآبة، فالإنسان عندما يكون في داخله جانب يعطيه درجة كبيرة من الأهمية (الجانب الديني لديك)، هنا بلا شك سيشعر بالقلق الكبير تجاه أي أمر قد يهدد استقرار ذلك الجانب، وهذا تماماً ما حدث معك، ولكن بعد اطّلاعي على رسالتك وقراءتها لعدة مرات، برأيي ليس هناك ما يخيف، لذا هوّني عن نفسك، وسأشاركك الآن الأفكار التي في ذهني.

من خلال وصفك للعلاقة التي تربطك مع صديقتك، لم أر أنها قد تندرج من طرفها تحت ميل جنسي لبنات جنسها، أو أن علاقتها بك "شاذة"، بل رأيتُها تندرج في أنماط العلاقات الإنسانية تحت ما يسمى بالتعلق العاطفي الزائد.

حيث إن شعور التعلق في العلاقات الإنسانية على اختلاف درجاته (بسيط/ متوسط/ شديد) هو "ارتباط سلبي" يقيّد صاحبه ويصنع حاجزا نفسيا وهميا يخبركِ أنك لا تستطيعين العيش في هذه الحياة دون أفراد معينين، أو لا تستطيعين القيام بأشياء أو أمور تخصك دون وجود هؤلاء الأشخاص المقربين، وهنا نطلق عليه التعلق المرضي، وهذا ما يجعل التعلق المرضي أو المُفرط مؤذيا لصاحبه قبل أي شخص آخر، فهو قد جعل مصدراً واحداً للأمان النفسي الخاص به، وهذا المصدر طال أو قصر هو متغير وغير دائم، وبالتالي سيشعر بالانهيار النفسي في حال زعزعة هذا المصدر لأي سبب كان، هذا التعلق يعتبر غير صحي بغض النظر عن الطرف الآخر من هو، أي حتى لو كان مثلاً تعلق المرأة بابنها مفرطاً ومرضياً، فهو أيضا غير صحي وسيكون مؤذيا لها للأسباب نفسها المذكورة.

ثانياً: إنّ أعراض التعلق المرضي تتمثل في:
- كثرة التفكير بالشخص.
- تقليد الشخص وتقمص أفكاره، والتنازل عن شخصيته وأفكاره وتميزه والذوبان اللاشعوري في شخصية الآخر.
- كثافة الاتصالات الغير مبررة.
- الغيرة الزائدة من أي شخص آخر مقرب لذلك الشخص.
- تعطيل أو توقيف أي جانب من جوانب الإنسان الحياتية، بسبب تعلقه المرضي بذلك الشخص.

من المهم أن تفكري مع نفسك وتحددي أي من الأعراض موجودة لدى صديقتك أم جميعها، فهذا يساعدك في معرفة درجة مشكلتها معك، أي درجة تعلقها المفرط بك، وأيضا درجة تعلقك أنت بها.

ما جعلني أرى أن العلاقة تندرج تحت التعلق المفرط وليس أية مشكلة أخرى هو:
- طبيعة المرحلة العمرية لديكما، ففي هذا العمر أتذكر تماماً كيف يكون لجانب الصداقات لدى الفتاة مكانة كبيرة جدا في حياتها وقلبها وتفكيرها، وكيف ينعكس هذا لتصبح صديقتنا المُقرّبة لنا تشاطرنا كل تفاصيل حياتنا اليومية والخاصة، وكيف نكون جاهزين لتقديم أي نوع من الدعم لها، وبالمقابل نكون جاهزين لإشباع أي نقص عاطفي أو نفسي لدينا من خلال هذه العلاقة.

- نمط شخصية صديقتك -كما أخبرتِنا عنها- فهي تميل في عاطفتها وعطائها لشخصية الأم المعطاءة، وتبيَّن لي ذلك من خلال هذه العبارات: ( تمسح على رأسي/ أغدقت علي بحنان كحنان الأم) وهذا يفسر أيضا أنها تحبك أكثر من أي شيء، فالأم تحب من قلبها كله.

- قد يكون لنمط شخصيتها أسباب بلا شك، تعود إلى: نمط تربيتها وطفولتها وخبراتها الحياتية/ الجو الأسري في منزلها/ ضعف تقدير الذات لديها، أو وجود بعض الحاجات النفسية لديها غير المشبعة، كل ذلك قد يلعب دوراً في هذه المشكلة، ومعرفتنا للأسباب يُمكّنها من التعديل من سماتها الشخصية، ولكننا لسنا الآن بصدد أن نتحدث عن صديقتك وعلاجها لمشكلتها.

- جملتك عنها أنها تنصحك بقراءة الأذكار، فلا أخمن أن الذي سيرتكب معصية لله قد يكون حريصاً على هذه "التفاصيل" الإيمانية.

- لمستُ في كلماتك عن صديقتك وعلاقتها بك أنها تحرك لديها عاطفة قوية، ولكني لم أر في كلماتك عنها أو عنك أية تلميح أو تصريح أن علاقتكما ببعض تحرك شهوة جنسية، وهذا الفارق مهم جداً في التمييز بين العلاقة السوية والشاذة، أما فيما يخص موضوع الاحتكاك الجسدي فأراه طبيعياً وخاصة في عالم الفتيات، وتحديداً إن كان هذا السلوك اعتياديا في نمط تربيتها وتعامل أسرتها معها.

لذا مرة أخرى: اطمئني، فبإمكانك إرجاع تواصلكما سوياً كما كان، ولكن أتمنى منك أن لا تنسي:
- لكل منا دوره في الحياة، علينا أن نؤديه ونخلص في نيتنا فيه لوجه الله تعالى وابتغاء لرضاه، وعندما نتعلق بشخص ما عاطفياً فهذا يحد من تفكيرنا بدورنا في الحياة ومسؤوليتنا فيها، ويجعلنا مع الوقت نذوب تماماً مع ذلك الشخص، وهنا يكمن الخطأ، فلكل منا دوره ولكل منا حسابه أمام الله بما أدّاه في حياته، وأثناء رحلتنا الدنيوية علينا أن نسعى أن تكون قلوبنا متعلقة فقط بالله تعالى، ودون ذلك يكون حباً وأخوّة، ولكن ليس تعلقاً، وما يؤكد هذا الكلام الحديث النبوي عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: "يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به" رواه الحاكم والطبراني، وصححه الشيخ الألباني.

- إن علاقة الصداقة هي من العلاقات الإنسانية القوية جدا، والتي تجعلنا نتأثر ونُؤثِّر بمَنْ نُحب، ولكل منا -كبشر- إيجابياته وسلبياته، لذا نوّعي صداقاتك، ففي ذلك متعة كبيرة حيث ستأخذين من إيجابيات وخبرات كل صديقة.

- اجعلي هدفك فيما يخص علاقتك بصديقتك أن تأخذا بيد بعضكما البعض للتقرب من الله سبحانه والدخول الى الجنة سوياً، فهذا سيساعدك مع نفسك في ترتيب أولوياتك في الحياة، وأن تجعلي علاقتك بها تصبُّ في مرضاة الله.

ختاماً: أتمنى أن أكون قد أفدتكِ بإجابتي لك، والله الموفق.

بأمان الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً