الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من غضبي نحو شخص أهان أمي؟

السؤال

السّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

منذ حوالي عام وقع بيني وبين شخص خلاف، حيث قام بإهانة والدتي المتوفاة، وذلك عبر الإنترنت، وقام بحظري حتّى لا تتسنّى لي فرصة الردّ عليه.

في الحقيقة لم أرغب في إهانته كما فعل، لكنني كنت مليئًا بالغضب، باعتبار أنني أحب أمي كثيرًا، لدرجة التّفكير في اعتراضه يوما ما في الطريق وضربه، بما أنه لا يعيش بعيدًا جدًا عن الحي الذي أسكن فيه، لكنني في النهاية استهديت بالله وقررت عدم القيام بذلك، نظرًا لما يمكن أن يجره هذا الخصام من مشاكل كثيرة وعواقب وخيمة، فضلا عن ذلك لا أريد أن يغضب علي والدي، فهو رجل مسن وقد يصيبه شيء في صحته إن سمع أنني أفتعل المشاكل.

لقد مر عام الآن، ولا يزال يراودني نفس الشّعور بالغضب، وتغمرني الأفكار حول الانتقام من هذا الشخص، فما الحل؟

شكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل العاقل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك ممَّن يصبر على الأذى، وممَّن يتجاوز عن السفهاء، وممَّن إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو سبحانه.

رحم الله الوالدة رحمة واسعة، وأرجو أن تعلم أن حزنك على ما حصل نوعٌ من البِّرِّ للوالدة، كما أن حكمتك في عدم الردِّ هو حسنات تذهب للوالدة، فهذا الذي يُسيء للوالدة وهي في قبرها – رحمة الله عليها – يُعطيها من حسنات تَعِبَ في تحصيلها، أو يحملُ عنها ذنوبًا لتحوَّل عليه ليلقى الله مُفلسًا والعياذ بالله اليوم القيامة.

فلا تردَّ على أمثال هؤلاء، واعلم أن عدم الردِّ أبلغ من الردِّ، واحرص على كثرة اللجوء إلى الله، والدعاء لوالدتك ولوالدك، فإن هذا هو الذي ينفعهما، ولا تدخل في مشاجرات، ولا تهتمَّ به، ولا تردَّ عليه، ولا تحاول أن تنتقم بأي وسيلة صغرتْ أمْ كَبُرتْ، واعلم أنك قد تقع في إشكال من الناحية القانونية إذا حاولت الاعتداء على هذا الشخص، رغم أنه أساء.

وإذا كانت الوالدة – رحمة الله عليها – قد ربحت الحسنات، وإذا كان هذا السَّبّ والإساءة لا يضرُّها وهي في قبرها، فأرجو ألَّا تفعل شيئًا يجُرَّ عليك المشكلات ويضرُّ الوالدة، لأنك قد تأخذ حقك وزيادة، فبدل من أن تكون رابحًا بالحسنات عند ذلك تكسب سيئات، لأنك أخذت حقك وزيادة.

ولذلك نتمنَّى أن تستمر في هذا الحلم والعقل والفهم، واعلم أن هذا هو منهج المسلم إذا جهل عليه الناس دفع جهلهم بالتي هي أحسن، قال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن} يعني: هذا هو منهج المؤمن، بل هو منهج القرآن. والإنسان دائمًا كما قال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {خذ العفو وأْمُرْ بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، الله أمره أن يُعطي من حرمه، وأن يصل مَن قطعه، وأن يعفوَ عمَّن ظلمه.

وسيرُك على سبيل العفو والصفح والتجاوز وعدم الرد يجلب لك الحسنات، ويجلب لوالدتك الحسنات، والحسنة لوالدتك في قبرها تُساوي الدنيا بما فيها.

فنسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على الصبر، وأن يخلصك من دوافع الانتقام، واعلم أن الذي يُعيدُ تذكيرك لما حصل هو عدوَّنا الشيطان، وهم الشيطان أن يحزن أهل الإيمان، لكن إذا ذكّرك الشيطان بما حصل فجدد الدعاء للوالدة، وكرِّر الاستغفار لها، واعلم أنها تربح بذلك، وعندها سيتركك الشيطان؛ لأنه سيعرف أنك تكسب بِرًّا وأجرًا.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً