الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن أدعو الله ولدي رغبة شديدة ولكنني لا أستطيع!

السؤال

السلام عليكم.

لدي مشكلة تؤلمني كثيرا، وهي أنني لا أستطيع أن أدعو الله تعالى ولا أعرف السبب في ذلك، لدي الرغبة والإحساس بالحاجة الشديدة إلى الدعاء وأبذل قصارى جهدي في أن أدعو الله، ولكنني مع ذلك أبقى عاجزا عن الدعاء. إنه محزن لأقصى حد، ويؤلمني كثيرا، ولا أعرف ماذا أفعل، أو لماذا يحدث معي هكذا؟!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Sadiq حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يُعيننا وإياك على كثرة اللجوء إلى مَن يُجيب المضطر إذا دعاه.

والإنسان ينبغي أن يهتمَّ بالدعاء، قال الفاروق عمر: (أنا لا أحمل همَّ الإجابة، لأن الله تكفّل بها، ولكني أحمل همَّ السؤال)، وممَّا يُعينُك ويُشجِّعُك على السؤال ما لي:

أولاً: إدراك أن الدعاء عبادة لله تبارك وتعالى، وهذا ما فهمه السلف، فكانوا يسألون الله ملح الطعام إذا فقدوه أو شسع النعل، يعني أمور بسيطة لكن لأن الهدف هو اللجوء إلى الله تبارك وتعالى الذي يقول: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}.

الأمر الثاني: لابد أن تعرف أن الذي يتوجَّه إلى الله رابحٌ في كل الأحوال، (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا)، وقال: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، فَيَقُولُ: إِنِّي قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي)، وقال: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: (قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ).

فالذي يتوجّه إلى الله رابحٌ في كل الأحوال، ومعرفة الإنسان بهذه الفضائل هي التي تُشجّعه على أن يستمر في الدعاء وعلى أن يُعطي الدعاء وقتًا كبيرًا من أوقات عبادته وإنابته وطاعته لله تبارك وتعالى.

فالذي يتوجَّه إلى الله إمَّا أن يستجيب الله دعوته، فيكتب له من الأجر مثلها، أو يرفع عنه من البلاء النازل مثلها.

كذلك أيضًا من المهم جدًّا أن تشغل نفسك بالأذكار وبالاستغفار، لأننا بسبب ذنوبنا نُحرم الكثير من الخير، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (أفضل الدعاء أستغفر الله) ثم جاء بخبر عمر الذي لمَّا طلبوا منه السُّقيا جمعهم واستغفر واستغفروا فانهمر الغيث، فلمَّا سألوه قال: قال الله تعالى: {فقلتُ استغفروا ربكم إنه كان غفارًا * يُرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموال وبنين وجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا}.

فالإنسان قد يُمنع من بعض الطاعات بفعل ذنوبه، ولكن إذا استغفر ومحى تلك الأسباب فإن أمور الدعاء والخيرات والتوفيق تتيسَّر على الإنسان.

كذلك أيضًا نوصيك بكثرة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنها تصبح برنامجًا عظيمًا للإنسان، وفي ختامها قال النبي في حديث أُبي بعد أن قال له أُبي: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: (إذن يكفيك الله همَّك ويغفر لك ذنبك)، فلو أن الإنسان جعل وقته كله للصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه سيُكفى الهمّ ويُغفر له الذنب، وتلك خلاصة مُرادة مطلوبة للدعاة والداعين والمتوجهين إلى الله.

ممَّا يدعونا إلى تشجيع أمر الدعاء وجودنا في هذه الأيام المباركة، في هذه العشرة التي فيها تلك الليلة التي هي خيرٌ من ألف شهر، وعليه أرجو أن ترفع أكفَّ الضراعة إلى الله تبارك وتعالى، واعلم أن الله وعدنا بالإجابة.

لذلك أرجو أن تدرّب نفسك على كثرة الدعاء واللجوء إلى الله تبارك وتعالى، واجعل هذا الدعاء في سياق الطاعات، فإن الإنسان يتلو القرآن ويسبّح الرحمن ويستغفر الله ويفعل الطاعات، ثم يدعو الله تبارك وتعالى في سجوده، يتحرى السجود ودُبر الصلوات المكتوبات وآخر الليل، وللصائم عند فطره دعوة مستجابة، فتحري هذه الأوقات، الصائم وهو متلبس بالطاعة طول اليوم له دعوة مستجابة، فالإنسان يتحرى هذه، ونوصيك بأن تُكثر من الأدعية الجامعة، الجوامع من الدعاء، الأدعية التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم وهي آية في كتاب الله، أكثر ما كان يدعو به (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)، وكذلك أيضًا قوله لأُمِّنا عائشة (اسألي الله العفو والعافية)، وهذا معنى جميل ووصية من النبي عليه صلاة الله وسلامه.

فإذا كنت ستركّز على الجوامع من الدعاء فإن هذا يختصر لك الأوقات ويجمع لك الخيرات.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً