الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أصالح صديقي الذي تخاصمت معه؟

السؤال

السلام عليكم..

من مدة حدث سوء فهم مع صديق وتخاصمنا، ولكني أود الآن أن أصلح ما بيننا، وقد جربت التقرب إليه وطلب السماح، ولكنه تجنبني, فما هي طرق المصالحة الناجحة؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ibrahim حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فلقد أسعدنا تواصلك مع موقعك -إسلام ويب-، فأهلًا ومرحبًا بك، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك إلى ما يحب ويرضى، ونسأله كذلك أن يؤلف بين قلوبكم، وأن يصلح ذات بينكم، إنه جواد كريم.

وبالنسبة لما تفضلت به من سؤال؛ فنود أولًا أن نشكرك على رغبتك في الإصلاح، وفي عودة المياه إلى مجاريها بينك وبين صديقك، وهذا من خير ما يحبه الله ويرضاه من أفعال العباد، قال تعالى: [لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)] سورة النساء. فأنت تبغي الخير وتريد الإصلاح، وسواء كنت وسيطًا أو طرفًا في المشكلة فأجرك عند الله كبير ما دمت تسعى إلى الخير، بل إن ثوابك –وأنت طرف بالمشكلة- قد يكون أكبر من ناحية أنك قد جاهدت نفسك وانتصرت عليها، وسقتها إلى الصلح سوقًا، فبعض الناس قد يكابر، وقد يعاند وقد ينتظر أن يبادر صاحبه، فجزاك الله خيرًا على هذه البادرة الطيبة.

وقد أعجبني -ابني الفاضل إبراهيم- أنك قد وصفت ما حدث بأنه (سوء فهم)، وهذا يشير إلى أن الإشكال يسير بإذن الله، وكما قيل فإن معظم ما يحدث بين الناس من خلافات مرده: إما إلى (مقصود لم يُفهم، أو مفهوم لم يُقصد)، فقد يتلفظ المرء بكلمة أو يتصرف بتصرف وقصده شيء معين، ولكن لم يفهم قصده ذاك بل فُهم فهمًا خاطئًا، أو أن تصرفه سليم ولا غبار عليه، ولكنه فُهم على غير الوجه الذي أراده، وهذا ما يوقع في الإشكال، ويعطي الفرصة للشيطان أن يدخل بين الناس ويفسد بينهم.

إذًا بُنيَّ عليك أن تسعى لإزالة هذا الفهم الخاطئ، وتصحيح الموقف على صورته الحقيقية عند صديقك، وقد ذكرت أنك حاولت التقرب منه ولكنه يتجنبك، وهذا أمر تُشكر عليه حقيقة، ولا تُبال بإعراض صديقك عنك ولا نفوره منك، فأنت خير الاثنين بإذن الله تعالى، فعن أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) رواه البخاري. لا تحزن بُنيَّ ولا تضجر من نفور صاحبك وإعراضه عنك فأنت مأجور وأنت خير الاثنين، ولا تهجر أخاك وإن هجرك، ويمكن أن تكتفي بإلقاء السلام لتخرج من الإثم، ما دام هو يبدي هذا النفور، فهذا النفور يشير إلى أن ما في نفسه لم يزُل بعد، وأن نفسه غير متهيئة للصلح بعد.

وبالنسبة لما سألت عنه من طرق المصالحة الناجحة، فبعد الاستعانة بالله تعالى وحده، نشير عليك بما يأتي:
أولًا: كثرة الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فهو القادر أن يقلب قلب صديقك نحوك من هذا الغضب إلى الرضا، ومن هذه القطيعة إلى الصلة.

ثانيًا: أنت بحاجة إلى وقفة ومراجعة وإصلاح ما بينك وبين الله، فقد كان السلف عندما يتعرض الواحد منهم لمشكلة يستغفر ويستغفر ويتهم نفسه بأنه وقع في معصية تسببت في هذه المصيبة؛ وذلك انطلاقا من معنى قوله تعالى:[أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)] آل عمران، حتى قال بعض السلف: (وما جد خلاف بين صديقين إلا بذنب أحدثه أحدهما).

ثالثًا: كنا نتمنى أن تخبرنا عن طبيعة العلاقة بينك وبين صديقك، وهل هي أخوة في الله تعالى، وأنتم متعاونون على البر والتقوى، أم أنها صداقة في أمور دنيوية، وقد يتخللها بعض ما يغضب الله من جانبك أو جانبه، فهذه من أكبر الأسباب التي تؤدي إلى التنافر بين الأصدقاء، وتذكر أن أي علاقة لا يكون ميزانها التقوى تنقلب إلى عداوة يوم القيامة، كما قال تعالى: [الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ(67)] سورة الشورى. يقول الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: (المتخالُّون يوم القيامة على معاصي الله في الدنيا, بعضهم لبعض عدوّ, يتبرأ بعضهم من بعض, إلا الذين كانوا تخالّوا فيها على تقوى الله). فإن كانت الصداقة على طاعة الله، وحبًا في الله فالحمد لله، والأمر يسير، وإن كانت في ما يغضب الله، فلا بد من تصحيح المسار حتى تكون العلاقة في الله، وذلك بعد حصول الصلح بإذن الله.

رابعًا: وكنا نتمنى أن تخبرنا كذلك عن تفاصيل ما أسميته سوء فهم، فهل كان من جانبك أم جانبه؟ بمعنى: هل قلت شيئًا أساء فهمه وبالتالي اتخذ ذلك الموقف منك؟ أم هو قال أو فعل شيئًا أسأت أنت فهمه فاتخذت منه موقفًا، وحدث ما حدث من خصومة؟ وعلى العموم سنفصل علاج المسألتين في النقطة السادسة بإذن الله.

خامسًا: كما قلنا في مقدمة الجواب، نفور صديقك منك يشير إلى أن الألم لا زال عنده كبيرًا، وأن نفسه لا زالت تحمل بعض الجراح، فاقتراحنا عليك حيال ذلك أن توقف جميع محاولات التقرب منه في الوقت الحالي، وأن تكتفي بإلقاء السلام فقط، وفي الابتعاد فرصة لمراجعة النفس وهدوئها، وفرصة لأن يفتقدك صديقك ويفكر في ما حدث، وينظر إليه من زاوية جديدة، وأما المدة اللازمة لذلك فتقديرها يرجع إليك أنت، فلتختفِ من حياة صديقك مدة من الزمن ولكن يجب ألا تكون طويلة جدًا؛ فإن البعد الشديد يورث الجفاء، وإذا لقيته فسلم عليه ولا تحاول التقرب منه، ومن ثم بعد انقضاء هذه المدة تشرع في الخطوة الآتية، وهي:

سادسًا: أن تسعى إلى حل المشكلة بالأسلوب المباشر، فتقوم بزيارته في منزله، وبذلك تكون قد قطعت نصف الطريق، فالزيارة في المنزل تجعله يستحيي منك، ويُكبر ذلك منك لأنه يشعر بأنك قد قدّرته وجئته في مكانه، وهذا من كريم الأخلاق عند العرب وأهل الإسلام، أنهم لا يردون من جاءهم، ما دام جاءهم بسلام. وبالنسبة للإشكال الذي حدث بينكما: فإن كان سوء الفهم تسببت فيه أنت فبادر بالاعتذار واشرح له الموقف على حقيقته، وأنك لم تكن تقصد ما فهمه هو، وإن كان سوء الفهم بسببه فأيضًا تنازل وقل له إنني أعتذر لأنني فهمت تصرفك على غير وجهه، وإنني أريد تصفية ما بيننا من خلاف، وذكره بحرمة التهاجر والتقاطع في الدين، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( تفتَح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيُغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينَه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا ) رواه مسلم .

قال الباجي: " يعني - والله أعلم - أخروا الغفران لهما حتى يصطلحا ". قل له إن أعمالنا مؤخرة، وإن المغفرة لنا معلقة بسبب هذه الخصومة، فتعال لننهيها.

سابعًا: إن لم يفلح هذا الأسلوب، ووجدت منه تعنتًا أو تهربًا أو عدم رغبة في الصح، فلتوسط بينكما من له كلمة مسموعة أو شفاعة مقبولة عند صاحبك، كإمام المسجد، أو صديق عاقل، أو شخص كبير في السن من الجيران أو الأساتذة، وإن شاء الله يفلح هذا الأسلوب.

ثامنًا: أذكر صديقك بالخير وبالصفات الإيجابية التي يتحلى بها، وذلك عند الأصدقاء المشتركين بينكما، فإن ذلك مما يعجبه، ومما يقرب الشقة بينكما.

وختامًا: نسأل الله تعالى، أن يوفقك إلى إنهاء هذه المشكلة مع صديقك، وإلى إصلاح ذات بينكم، ونتمنى منك دوام التواصل مع موقعك، وأن تبشرنا في القريب بانتهاء هذه الخصومة، وعودة المياه إلى مجاريها، والله الموفق لكل خير، والهادي إلى صراط مستقيم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً