الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سأتزوج قريبا ودخلي بسيط.. فكيف أزيد من دخلي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب بعمر 29 عاماً، ملتزم بصلاتي وأقيم الليل، وأدعو الله بأن يهديني ويعينني في ديني ودنياي، وأنا مهندس، وأعمل في وظيفة غير مستقرة، ذات دخل.

عقدت قراني قبل شهرين، وسيتم زواجي بعد أسبوعين، وأعاني من رهاب فصلي وتسريحي من العمل.

مشكلتي أني كنت أخطط أن أؤمن نفسي بعمل رسمي ومستقر قبل الزواج، حتى أتجنب المفاجآت، ولكن مر الوقت ولم أحقق ذلك حتى الآن، لم أستطع أن تأجيل زواجي أكثر من ذلك، فبعد ضغوط أهلي وإقناعهم لي، وبعد قراءة استشارات هذا الموقع الكريم صليت استخارة وتوكلت على الله وعقدت الزواج.

أنا الآن أعاني من الخوف والقلق من الفقر، أو عدم مقدرتي على تلبية احتياجات عائلتي بعد الزواج، أخاف بأن يتم فصلي وينقطع عني دخلي وأبقى بدون مصدر دخل.

أتساءل دائماً في نفسي لماذا لست مثل الآخرين الذين يتمتعون بعمل مريح ودخل جيد؟ أريد التوفيق من الله، ولكني لا أعلم ما الذي يجب أن أفعله حتى أنال هذا؟

أعلم أن الرزق بيد الله، ولكن بعد أن أتوكل عليه يعتريني القلق والوسواس مرة أخرى، لدرجة أني دائم التفكير وشارد الذهن ولم أخشع في صلاتي منذ مدة، حتى أني نسيت آخر مرة كنت سعيدا فيها، وذلك للأسف لأني ضعيف الإيمان.

أنا الآن أبحث عن طرق للقيام باستثمار بسيط، أو عمل إضافي للمقدرة على تأمين احتياجاتي بعد الزواج، ولكني لا أعلم إذا استطعت القيام بهذا، فأرجو مساعدتي للخروج من هذه الحالة، وأرجو مساعدتي لتقوية إيماني، آسف على الإطالة.

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.
أولاً: نبارك لك زواجك وإتمام عقد القران، ونسأل الله تعالى أن يُبارك لك ويُبارك عليك ويجمع بينكما في خير.

ثانيًا: ما تتخوف منه – أيها الحبيب – من الفقر وعدم القدرة على تحصيل ما تُنفقه على زوجتك بعد الزفاف تخويفٌ من الشيطان، يُريدُ أن يُدخل الحزن إلى قلبك ويُكدِّر عليك حياتك ويقطعك عن هذا الطريق الذي سلكته من الاشتغال بمرضاة الله تعالى والعمل بطاعته، فإدخال الحزن إلى قلب المسلم من أعظم المقاصد الشيطانية التي يسعى الشيطان إلى تحصيلها، وفي خصوص الفقر قد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم بأن الشيطان يَعِد الإنسان الفقر ويُخوّفه من الحاجة، كما قال في سورة البقرة: {الشيطان يَعدُكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يَعدُكم مغفرةً منه وفضلاً}.

ينبغي أن تثق بوعد الله تعالى، وأن تركن إليه، وهو الذي قد قال سبحانه في كتابه الكريم: {ولْيستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يُغنيهم الله من فضله والله واسعٌ عليم}، وفي هذا – كما يقول العلماء – وعدٌ من الله تعالى بأن من تزوّج فإن الله سيُغنيه من فضله.

كما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن (ثلاثة حقٌ على الله عونهم) ومنهم (ناكحٌ يريدُ العفاف)، فأنت ممَّن لهم على الله تعالى حق الإعانة والتيسير، لأنك تطلب العفاف بزواجك، وتريدُ تحصين نفسك عن الوقوع في الحرام، وهذا الحق أوجبه الله تعالى على نفسه تكرُّمًا منه سبحانه وتعالى.

ثق بهذا كُلِّه – أيها الحبيب – واعلم بأن خزائن الله تعالى ملْأ، وأن يده سحَّاء الليل والنهار، لا تُغيضُها نفقة، وأنه إذا شاء يبسط الرزق لمن يشاء بغير حساب، وأنه أمره إنما هو بين الكاف والنون، {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون}، والذي رزق هذه المخلوقات التي لا يُحصيها أحد هو المتكفِّلُ برزقك سبحانه وتعالى، وقد قال في كتابه الكريم: {وكأيِّن من دابةٍ لا تحملُ رزقها اللهُ يرزقُها وإيَّاكم}، يعني: لا تستطيع كسب رزقها ولا ادِّخار رزقها واللهُ تعالى هو الذي يرزقها.

فدعْ عنك إذًا هذه الوساوس، واترك هذه الهموم الشيطانية، وتوكل على الله تعالى، وفوّض أمرك إليه، مع أخذك بالأسباب التي جعلها الله تعالى وسيلة لتحصيل الأرزاق، فإن الله تعالى بنى قانون هذا الكون على الأسباب والمسبَّبات، فكلُّ نتيجة لها مُقدِّمات، فخُذ بالأسباب التي تُوصِلُك إلى رزق الله تعالى، وثق بأن الله تعالى سيُعطيك ما يُدخل السرور إلى قلبك، قلَّ هذا الرزق أو كثُر.

اعلم – أيها الحبيب - بأن الله تعالى يُقدِّرُ للإنسان ما هو خيرٌ له، فيُعطيك من الرزق ما يُصلحُ حالك، وليس بالضرورة أن تكون كثرة الرزق هي الصلاح، إنما يُعطيك الكفاية.

باختصار نُرشدُك – أيها الحبيب – إلى أهمِّ الأسباب التي ينبغي أن تعتني بها لتحصيل الرزق:
أوَّلُها: تقوى الله، فإن الله تعالى قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

ثانيها: صلة الرحم، فـ (من أحبَّ أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصلْ رحمه)، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثالثًا: التصدُّق بما تستطيعه من الصدقات، ولو كانت يسيرةً، وإن لم تجد مالاً تتصدّق به فتصدَّق بأنواع الصدقات الأخرى، مثل إعانة مَن يحتاج إلى إعانة بدنية، وتعليم مَن يحتاج إلى تعليم ما ينفعه، والكلمة الطيبة صدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدقة، ونحو ذلك من الأسباب.

من عظيم الأسباب التي أرشد إليها القرآن وأرشدتْ إليه الأحاديث: كثرة الاستغفار، فقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة نوح: {فقلتُ استغفروا ربكم إنه كان غفَّارًا * يُرسل السماء عليكم مدرارًا * ويُمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهارًا}.

خذ بالأسباب المادّية مع هذا كلِّه، وابحث عن رزقك، وحاول التعرُّف على مَن تنتفع به في دُنياك، وستجد ربَّك يفتح أمامك الأبواب ويُسهّل لك الأسباب.

نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يُوفّقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً