الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معاناة وقلق على أصحاب المنكر وجعلهم أناساً صالحين

السؤال

السلام عليكم.

الحل في مجاهدة الشيطان هو تجاهل أي خطرة تزين الفشل أو تثبط عن الفلاح، لكن هذا الحل سبب لي وسواسا قهريا؛ حيث تأتيني فكرة بأنه ما دمت توصلت لهذه الحكمة فمفروض علي أن أجعل كل الناس تفكر وفق هذا المبدأ كي تنجح في الدنيا والآخرة وتكسب رضوان الله.

أما إن احتفظت بها لنفسي، أو أخبرت الناس بها لكن لم يصبح لهم يقين بها فأنا آثم، وليس من العدل استغلال هذه الحكمة في ما يصلح ديني ودنياي.

كلما علمت أن أحدا ما مقدِم على معصية أو تارك للصلاة مقابل أنني أعلم حقيقة حقارة المعصية فأقوم للصلاة، تلقائيا يشتد علي الوسواس، فأصاب بالحزن على جهلهم لعداوة الشيطان، وأنهم لا يرونه؛ وحسرة حول كيف لي أن أقنعهم بعداوته لهم وهم لا يرونه أصلا، وغضب حول جهلهم وتقصيرهم في معرفة هذا الأمر، وقلق حول شعوري أنني آثم إذا لم ألزمهم بترك المنكر أو القيام للصلاة عن طريق جعلهم يتيقنون من عداوة الشيطان؛ وتوتر حول عدم تحملي معرفة أن الله غاضب عن فلان وليس بيدي جعله يترك المنكر ويقوم بالمعروف، فأخشى أن تحل بنا عقوبة إذا لم أجعل العاصي صالحا في الحين.

وهذا سبب لي مضاعفات صحية، حيث أصبحت دائما أعاني من تنميل وشد في فروة الرأس، وضيق في الصدر، وخفقان وانقباض في عضلة القلب حين العلم بحصول المنكر أو التفريط في الواجب.

أصبحت كأنني مكتئب لا يمكنني أن أسعد أو أجتهد في مصالحي الدنيوية والدينية مقابل ديمومة المنكرات والجهل بعداوة الشيطان.

فلا أعلم كيف أوفق بين مجاهدة الشيطان الذي لا يتوقف إلا عند موتنا، والنجاح في دنياي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سامي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في إسلام ويب، وأشكرك على ثقتك في هذا الموقع.

رسالتك رسالة مهمّة جدًّا، سوف أعطيك الإرشاد النفسي اللازم من حيث المنظور النفسي، وإن شاء الله تعالى تُحال استشارتك أيضًا لأحد الإخوة المشايخ الفضلاء ليُدلي بدلوه حول رسالتك الهامّة هذه.

بادئ ذي بدئ أقول لك: إن الذي لديك هي وساوس قهرية ولا شك في ذلك، وحقيقة ما ذكرته من معاني وبوضوح شديدٍ هو مثال قاطع لما نسميه بالحوار الوسواسي، والحوار الوسواسي لا يصل صاحبه أبدًا إلى نهايات، بل يجد نفسه في دهليز مظلم، ممَّا نسميه بالاستحواذ الوسواسي والإلحاح الوسواسي، وهذا الذي حدث لك - أيها الفاضل الكريم - ولا شك أن محتوى وساوسك محتوى مهم، وهو المحتوى الديني، والحديث عن الشيطان وتدخُّلاته وتأثيراته أمرٌ قد لا يصل الإنسان فيه أبدًا إلى أي نتيجة منطقية ما دام منهج التفكير هو منهج وسواسي في الأصل، وهذا من عبث الشيطان بالناس، أنه يتسلّط عليهم بهذه الكيفية.

فيا أخي الكريم: حقّر هذه الأفكار، ولا تُجادل، ولا تُحاور. الرسول صلى الله عليه وسلم نصح مَن أُصيبوا بهذا النوع من الوساوس بأن يقول الواحد منهم: (آمنت بالله) ثم ينتهِ. فقل: (آمنت بالله) يا أخي بيقين قاطع، وانته عن هذا الأمر. وأنا أنصحك بثلاثة تطبيقات سلوكية مهمّة جدًّا:

1. كل هذه الأفكار الوسواسية أخضعها لما نسميه بـ (إيقاف الأفكار): أن تُخاطب الفكرة الوسواسية، وفي بدايتها، ودون أن تدخل في تحليلاتها وتفسيراتها وإخضاعها للمنطق، تُخاطبها قائلاً: (أقف، أقف، أقف، أنتِ فكرة وسواسية حقيرة، أنتِ تحت قدمي، أنا لن أحاورك، ولن أناقشك أبدًا)، وهكذا. تُكرّر هذا القول حتى تحس بشيء من الإجهاد.

2. ثم تنتقل للتطبيق الثاني، والذي نسميه بـ (صرف الانتباه عن الفكرة الوسواسية)، وهذا بكل بساطة: تأتي بفكرةٍ أكثر سموًّا وعلوًّا وإيجابيةً ونقاءً وأهميّةً وفائدةً. الفكر الإنساني يكون في طبقات، أصحاب الوساوس دائمًا تجد أن الطبقة العُليا في التفكير قد استحوذ عليها الوسواس، لذا أنا أقول لك: ائتِ بفكرةٍ أعظم من الفكرة الوسواسية، فكرة أفضل من الفكرة الوسواسية، مثلاً: تأمّل في أي شيء جميل، تأمّل في خلق الله، تأمَّل - يا أخي - مثلاً في عملية التنفّس لديك، كيف هذا الهواء يدخل إلى الرئتين، وكيف أن الأكسجين ينتشر في الجسم، وكيف تكون الفائدة ... وهكذا، ائت بأي فكرةٍ تسمو وتغلب على فكرة الوسواس. هذا نسميه بصرف الانتباه.

3. والتمرين الثالث نسميه بـ (تمرين التنفير)، وهو: أن نأتي بفعلٍ أو شعورٍ أو استشعارٍ مخالف تمامًا للفكرة الوسواسية، ويتناقض معها، وينفّر عنها. وقد وجد علماء السلوك أن إيقاع الألم بالنفس هو من أفضل أنواع هذه التمارين، ولتطبيق هذا التمرين: اجلس خلف طاولة، ثم استجلب الفكرة الوسواسية، وفي بداياتها قم بالضرب على يدك بحدة وشدة على سطح الطاولة حتى تحس بالألم. اربط ما بين الألم وما بين الفكرة الوسواسية. كرِّر هذا التمرين عشرين ثلاثين مرة متتالية، بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء.

وتمرين آخر من تمارين التنفير: يمكن أن تقوم بشمِّ رائحة كريهة - إن وجد - وتربطها بالفكرة الوسواسية ... وهكذا.

أضف إلى ذلك أنت محتاج لعلاج لدوائي حقيقة، وهنالك أدوية ممتازة جدًّا، هنالك عقار يُسمَّى (بروزاك) هذا اسمه التجاري، واسمه العلمي (فلوكستين)، أريدك أن تبدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم لمدة أسبوعين، ثم تجعلها كبسولتين يوميًا لمدة شهرٍ، ثم تجعلها ثلاث كبسولات في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى كبسولتين يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة واحدة لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقف عن تناول الدواء. هذا الدواء مفيد جدًّا وسليم جدًّا، وغير إدماني.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
______________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم استشاري أول طب نفسي وطب الإدمان-
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد الفرجابي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-
___________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سامي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك في موقعك، وشكرا لك على التواصل وعلى الهم والهمة، ونسأل الله أن يقر أعيننا بصلاح الأمة.

ما على الرسول إلا البلاغ، والبلاغ هو هداية التعليم والدلالة، لكن هداية القبول لا يملكها إلا الخالق القائل: (إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء)، فقم بما عليك من النصح والإرشاد، واحرص على أن يكون نصحك بطريقة صحيحة، وانتق الألفاظ، واختر الأوقات، وعليك بعد أن تقوم بما عليك بعدم الالتفات لوساوس الشيطان؛ فهمُ عدونا هو أن يحزن أهل الإيمان، وعليك بقطع تواتر الأفكار كما قال -النبي صلى الله عليه وسلم - "ولينته".

نكرر الترحيب بك في موقعك، ونسأل الله أن يهدينا جميعا، وأن يجعلنا سببا لمن اهتدى.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً