الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما حقيقة السعادة، وكيف نحصل عليها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكركم على هذا الموقع المبارك والموثوق والصادق والنافع.

لماذا قال الله عز وجل:" ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا"، وأرى ناسا لا يصلون ولا يعلمون شيئا عن الدين أقوى ولهم سلطة، يتهكمون على الناس، والله منعم عليهم بخير ورزق وبيوت وسيارات وصحة، لا أقول الكل، لكن الأغلبية، وأعلم أنها مظاهر، ولا نعلم ما تخفي قلوبهم من حزن أو سعادة.

لماذا أنا لست سعيدا، ما هي السعادة؟ أعلم إنها الرضا، وإنها اختيار، وأنا أختارها، لكني لماذا لست سعيدا! مرت أكثر من أربع سنوات لم أضحك فيها إلا قليلا، وبكيت فيها كثيرا مثل الطفل، هل العيب بنظرتي لما وهبه الله لي، أم هو اختبار من الله؟

وقلبي مكسور ومتقطع لهذه الأمة، فيها من المصائب والشتات والظلم كأننا لسنا مسلمين، فقر وحروب، وأشد الفتن الآن، فكل شخص يدعي أنه شيخ ومفتي ولا نعلم أين الحق!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فهد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك هذا السؤال الرائع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُحقق لنا ولك السعادة في الدارين، في الدنيا والآخرة.

ونحب أن ننبّه إلى أن هناك أمر في غاية الأهمية، وهو ضرورة أن نفرِّق بين اللذَّة وبين السعادة، فاللَّذة هذه متاحة للإنسان وقد تتاح للحيوان، وهي مؤقتة، وهي زائلة، وهذا ما يعيش فيه الذين ذكرتَ من أهل الغفلة والضلال، لكن السعادة هي نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضائه وقدره، المواظبة على ذكره وشُكره وحُسن عبادته.

ولا يمكن أن ينال السعادة الكاملة إلَّا مؤمنٌ بالله تبارك وتعالى، لأن الحياة لا تخلو من الأمراض والأكدار والأمور المزعجة، لذلك الذي يسعد هو المؤمن فقط، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلَّا للمؤمن، إنْ أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، أو أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلَّا للمؤمن).

واعلم أن بلاد الازدهار على وجه هذه الأرض بلاد الانتحار، لو سألنا أنفسنا لماذا ينتحر مَن يملك العمارات ومَن يملك الرفاهية؟ لأن نفوسنا لا تسعد إلَّا بالرجوع إلى خالقها سبحانه وتعالى.

أمَّا أن الله تعالى يُعطي الدنيا لمن يُحب ومَن لا يُحب، فذلك لحقارة هذه الدنيا، فهي لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو كانت كذلك ما سُقي كافرٌ منها جرعة ماء. واعلم أن هؤلاء الذين ترى عليهم السعادة والترف فيهم مَن لا يملك أن ينام لحظة إلَّا بحبوب منومة، وفيهم مَن يتلوَّى ويتألَّم، فيهم مَن يضحك أمام الناس ثم يحزن ويبكي في بيته.

ولذلك الحكم ليس بهذه المظاهر، بل ربما أكل الإنسان أكلة لذيذة فوجد نفسه بعدها في الطوارئ يتألّم، أو تزوّج امرأة جميلة فكانت جحيمًا لا يُطاق الحياة معها، وهناك مَن له منصب ليكون عذابًا له وأذى. ولذلك الأمور لا تُرى كما يراها الناس في ظاهرها، كما يراها الناس بهرجتها، بل الدنيا من أوّلها إلى آخرها ما هي إلَّا زهرة، والزهرة عمرها قصير، وهي جميلة من الظاهر فقط، فإذا فركها الإنسان خرج من داخلها النتن، وكذلك هذه الدنيا عندما يغوص الإنسان في حقيقتها.

لكي تنال السعادة نوصيك بتعميق معاني الإيمان، بكثرة السجود لله تبارك وتعالى، بكثرة الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، بالرضا بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره، ثم بالتعرُّف على ما أشرتَ إليه، وهي النعم التي تملكها، فكلُّنا في نعمة، والسعيد هو الذي يعرف نعم الله عليه ليؤدي شُكرها. أمَّا الذي ينظر بما في أيدي الناس فإنه يمتلأ بالأحزان، ولذلك قال الله: {لا تمدَّنَّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتهم فيه}، ثم أخبر عن الرزق الفعلي والذي يجلب الخير، فقال: {ورزق ربك خيرٌ وأبقى}، يعني: من الصلاة والطاعة، وبعدها قال: {وأْمُرْ أهلك بالصلاة واصطبر عليها}.

فنسأل الله أن يُعيننا وإياك على الخير، وأن يُسعدنا بطاعته، وإذا كان الإنسان آمنًا في سِربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها.

أمَّا ما يحصلُ من ابتلاء لأهل الإيمان فذلك كما في قول الله: {فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يضرَّعون}، {لعلَّهم يتضرعون}، {لعلهم يرجعون}، كلُّ ذلك ابتلاء من أجل أن نلجأ إلى الله تبارك وتعالى، وإذا رجع الإنسان إلى الله ورضي بقضاء الله فهو السعيد، وإلَّا فالحياة لا تخلو من الجراح والأحزان والآلام، وهذا ما يعرفه حتى أهل الكفر، لذلك ربما بالغوا في أن يُمتّعوا أنفسهم، لأنهم يُدركوا أن ذلك زائل، وأن ذلك لا يمكن أن يدوم.

ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُسعدنا بطاعته، وأن يجعلنا جميعًا ممّن إذا أُعطي شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر، وشكرًا لك على هذه الاستشارة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً