الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من كل هذه الأمراض النفسية وأعيش حياة طبيعية؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فضيلة الدكتور أثابكم الله.
أعاني منذ بلوغي سن 15 عاما من العزلة، وأنزعج من الضوء، كما أنني غير اجتماعية، وعديمة القدرة على المواجهة، ولا أستطيع الرد على من يؤذيني أو يخطئ بحقي، كما أنني أفزع لأبسط الأسباب كطرق الباب أو سقوط شيء، ففي سن 17 عاما حاولت الانتحار؛ لأني أحسست أن أهلي لا يهتمون لعزلتي، ولكني بفضل الله أعرضت عن ذلك.

منذ شهر ونصف أصبت أنا وزوجي بكوفيد 19 إصابة متوسطة إلى شديدة، عزلنا الأطفال لدى الأقارب، وكان لفراق أبنائي أثر سلبي على نفسيتي، صرت أخشى الموت دون رؤيتهم، ثم أحسست بأن الأحباب قد انفضوا من حولي.

والآن بعد شفائنا من هذا المرض بقيت آثاره النفسية، فلم أعد أستطع ولا أريد مقابلة حتى أقرب المقربين، وإذا زارني أحد ينقبض قلبي لمجرد سماع طرق الباب، أغلقت الهاتف، وأحس بضيق شديد وتوتر، ولدي ارتفاع مستمر في دقات القلب، ونغزات في الصدر، وأشعر بألم شديد يمتد من أسفل الظهر إلى الساقين، وألم مستمر في الرأس.

كثيراً ما أرغب في الخروج ولكني أتراجع عن ذلك خشية أن ألتقي أحد معارفي، وأحيانا أتوتر دون سبب وأرغب في البقاء وحدي، ولا أتحمل أن يكلمني حتى زوجي، وأرغب في الصراخ وتكسير كل شيء.

أنجح في تهدئة نفسي بفضل الله ولكني أبقى منزعجة من سيطرة هذه الأفكار، ورأسي يؤلمني، أصبحت لا أستطيع فعل أي شيء، فأخت زوجي هي من تهتم بالبيت والأولاد.

طبيب الأعصاب وصف لي منذ أسبوع:
Seroquel 25
Ludiomil 25
Librax 5/2,5 (x2)
Dynatens
Benfotiamin 100

لكني لا أحس بتحسن، أرجو أن تفيدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم محمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الموقع، وأسأل الله لك العافية والشفاء.

إن شاء الله حالتك بسيطة وواضحة، كما تفضلت: أنتِ أصلاً لديك شيء من الاستعداد للقلق، بدأتْ لديك منذ سِنّ اليفاعة، وفي سِنِّ السابعة عشر أقدمت على هذا الفعل الشنيع، محاولة الانتحار، لكن الحمد لله تعالى بفضله وبرحمته حماك ووقاك، ونحن دائمًا نقول للناس: حين تأتي هذه الأفكار الشريرة تذكّروا أن الدنيا بخير، وأن الحق عز وجل رحيمٌ بعباده، قال: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا}.

عمومًا: الحمد لله تعالى أنت قد تجاوزت هذه المرحلة تمامًا، وأنا لا أريدك أن تعيشي أبدًا في ضعف الماضي، أريدك أن تعيشي في قوة الحاضر، الحاضر دائمًا أقوى من الماضي.

بالنسبة للإصابة بكوفيد 19: نعم دراسات كثيرة أشارت أن ستين بالمائة من الذين يُصابون بكوفيد ربما تحدث لهم آثار نفسية سلبية، كالإصابة بالاكتئاب أو القلق أو المخاوف، أو حتى شيء من الوسوسة، والحمد لله تعالى نستطيع أن نقول أن الجميع قد استجابوا للعلاج النفسي والاجتماعي والتأهيلي.

الآن أنت بالفعل لديك شيء من قلق المخاوف، وكل الأعراض الجسدية التي تحدثت عنها – من تسارع في ضربات القلب، ونغزات في الصدر، وألم شديدٍ – هذا كله ناتج من التوترات العضلية التي هي ناتجة من التوترات النفسية، لأن التوتر النفسي يُؤدّي إلى توتر عضلي، وأكثر عضلات الإنسان تأثُّرًا هي عضلة فروة الرأس، لذا أنت تحسّين بألم مستمر في الرأس، يأتي بعدها عضلات القفص الصدري، لذا تحدث لك النغزات في الصدر، والألم لأسفل الظهر: هذا أمرٌ معروف جدًّا، يحدث بعد التوتر النفسي، وهناك دراسة أشارت أن خمسين بالمائة (50%) من الذين يذهبون إلى أطباء العظام يشتكون من ألم أسفل الظهر، وتُجرى لهم جميع الفحوصات ولا يوجد شيئًا، حقيقة الأمر هم يعانون من قلق وتوتر نفسي، وهكذا هنالك من اشتكى أيضًا ممَّا يُسمَّى بالقولون العصبي الذي ينتج من التوتر.

أيتها الفاضلة الكريمة: هذا الشرح أتمنى أن يكون مريحًا بالنسبة لك، لأن فهم الأمر في حدِّ ذاته نعتبره علاجًا. بعد ذلك أريدك أن تنظري إلى الأشياء الإيجابية في حياتك، وهي كثيرة جدًّا: حباك الله تعالى بالزوج وبالذرية، وأنت ما شاء الله تبارك الله في بدايات سن الشباب، ونحن في هذه الأُمّة الإسلامية، هذا في حدِّ ذاته أمرًا إيجابيًّا جدًّا وجوهريًّا، فأريدك أن تفكّري إيجابيًا، والله تعالى قد حفظكما من هذا الكوفيد، وتعرفي كمية الوفيات التي حدثت بعده، فالحمد لله حياتك فيها أشياء إيجابية كثيرة.

الخطوة الثانية التي أريدها منك هو أن تمارسي أي نوع من الرياضة، رياضة المشي مفيدة جدًّا لك. وبعد ذلك أريدك أن تُطبقي تمارين الاسترخاء، تمارين التنفس التدرّجي، وتمارين قبض العضلات وشدِّها ثم إطلاقها، نعتبرها أيضًا علاجًا أصيلاً.

فيا أيتها الفاضلة الكريمة: إذا وجدتِّ أخصائية نفسية لتُدرِّبك على هذه التمارين فهذا أمرٌ جيد، وإن لم تجدي فتوجد برامج كثيرة جدًّا على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة هذه التمارين.

أمَّا بالنسبة للعلاج الدوائي: فأنا أُقدِّرُ تمامًا ما كتبه لك الطبيب، ولا أحب حقيقة أن أتدخل في الأدوية التي يكتبها بعض الزملاء، لكن صراحةً لم أرَ دواءً تخصُّصيًّا يُفيدك في علاج قلق المخاوف والتوتر. أنا سأقترح لك بعض الأدوية، وأهمها مطلوب في حالتك، هو عقار (سيرترالين)، هذا الدواء سيكون أفضل لك كثيرًا من الأدوية التي تتناولينها، وبعد أن تشاوري طبيبك حوله أرجو أن تتواصلي معي.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً