الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع نوبة الهلع حال وقوعها؟

السؤال

السلام عليكم

أعاني من الوسواس القهري منذ عدة سنوات، أتحقق من وجود اسم الله في الطريق، أقرأ الجملة مرات عديدة بحثا عن عبارات شركية، أضع الأشياء بطريقة معينة، أفتح الحنفية والإنارة باستعمال المعصم، كذلك لفترة آمنت بأنني سأصاب بالعمى بلا سبب.

اعتقدت أنني سأموت بعد أسبوع، تخلصت من هذه الوساوس، لكن هناك أيضا وساوس أخرى، أردد الشهادة والأدعية، أتحقق من وجود حشرات عند إغلاقي لأي مكان.

أفطرت أياما من رمضان لاعتقادي بأنني كافر، نوبات الهلع هي التي أفاضت الكأس، شعور لا يوصف لفترة سوداوية قبل عام، بدأت عند اجتيازي شهادة البكالوريا في أشد حالاتها، يصعب علي حتى فتح قارورة الماء.

الإعياء والشعور الدائم بالمرض لمدة أربعة أشهر، مخاوفي تزداد، كل يوم صرت أهاب كل شيء: المستقبل، الدراسة، الزواج، أخاف حتى من شرب القهوة والتدخين. حتى تمارين الاسترخاء والرياضة، في غالب الأحيان لا أكملهما، وأشعر أنها تسبب لي نوبة هلع!

زرت معالجا نفسيا وضع آلات على بطني تقوم بعمل تدليك مزعج، شعرت بتحسن لا يوصف من أول حصة، بعد فترة انتكست لأزور طبيبا نفسيا آخرا (قبل ستة أشهر)، فوصف لي فلوكسيتين وترانكسين، وأنا على الفلوكسيتين حبة ثم حبتين، غيره الطبيب مرة لمدة شهر لأنني أخبرته أنني لم أتحسن، وكنت مخطئا، فطلبت منه إعادته لي فأعاده بحبة واحدة.

الحمد لله تحسنت لكنني غير مقتنع أيضا منذ عام تقريبا، كلما أغفو تراودني أحلام مزعجة غالبا، كيف أتعامل مع نوبة الهلع حال وقوعها، وهل الأفضل مواجهة مخاوفي أم التريث، وكيف أتخلص من الخوف التوقعي؟

أحبكم في الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية.

بالفعل أنت لديك وساوس متعددة، وساوس أفكار في معظمها، كما أنه لديك اندفاعات وسواسية، وبعض المخاوف الوسواسية، وكذلك بعض الأعمال الوسواسية القهرية.

لا تنزعج لكل هذه المسميات، فالوسواس القهري هو الوسواس، وبفضل من الله تعالى الأفكار الوسواسية تستجيب للعلاج الدوائي بصورة جيدة، لكن طبعًا أي علاج دوائي لا بد أن يُدعم بعلاج سلوكي.

المبدأ الأساسي هو أن تُقرّر ألَّا تتعايش مع الوسواس، الوسواس يجب ألَّا يكون جزءًا من حياتك، هذا هو القرار الجوهري والأساسي، وأنا دائمًا أحتّم على هذه النقطة، لأن بعض الأخوة بكل أسف يتعايشون مع وساوسهم، وحين يُصبح الوسواس مزمنًا قد يصعب علاجه.

النقطة الثانية، وهي العلاج السلوكي: هذا العلاج يقوم على مبدأ ألَّا يُناقش الإنسان الوسواس، ولا يحاوره، بل يُحقّره ويتجاهله، ويصرف انتباهه عنه لفكرةٍ أو فعلٍ آخر يكون أكثر أهمية وجدوى.

هنالك تمارين سلوكية بسيطة جدًّا لمواجهة الأفكار، وهي: أن تواجه الفكرة بما نسميه بـ (إيقاف الفكرة) تقول: (أقف، أقف، أنت فكرة وسواسية حقيرة، توقفي، وانصرفي عني)، تُكرر ذلك عدة مرات.

ونفس الفكرة تتعامل معها من خلال ما نسميه بـ (صرف الانتباه) أي: تأتي بفكرة تعلو على هذه الفكرة، فكرة تكون أكثر سُموًّا، فكرة ممتازة.

والتمرين الثالث هو ما نسميه بـ (التنفير): أن تربط نفس الفكرة الوسواسية بشيء منفّر، من التمارين السيكولوجية البسيطة التي ننصح الناس القيام بها هي: أن تجلس في مكان هادئ وأمامك جسم صلب، كسطح الطاولة مثلاً، وتقوم باستذكار الفكرة الوسواسية، ثم تقوم بالضرب على يدك بقوة وشدة حتى تحس بالألم.

وُجد أن الجمع ما بين الألم والفكرة الوسواسية يُضعف الوسواس كثيرًا، خاصّةً حين يُكرر هذا التمرين بمعدل عشرين مرة متتالية، بمعدل مرتين في اليوم.

فإذًا -يا أخي- اجعل لنفسك هذه الجلسات السلوكية، وسوف تجدها مفيدة جدًّا.

من المهم أيضًا أن تتجنب الفراغ، وأن تُدير وقتك بصورة صحيحة، لأن الفراغ الذهني أو الفراغ الزمني كلاهما يُعتبر تُربة خصبة جدًّا لأن تنتشر وتستشري الوساوس وتستحوذ على الإنسان، فاملأ وقتك بما هو مفيد.

العلاج الدوائي مهم جدًّا في حالتك أخي الكريم، والـ (فلوكستين) دواء جيد، لكن الدواء الأفضل هو الـ (سيرترالين) لأنه لديك شيء من المخاوف التوقعية، والسيرترالين يُعتبر دواءً رائعًا جدًّا لعلاج الوسواس وكذلك القلق والمخاوف وحتى نوبات الهرع، فأرجو أن تُشاور طبيبك في مقترحي هذا.

وإن أردتَّ أن تنتقل للسيرترالين فجرعته تكون: أن تبدأ بنصف حبة -أي خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا- لمدة عشرة أيام، ثم تجعلها حبة واحدة يوميًا لمدة شهرٍ -أي خمسين مليجرامًا- ثم تجعلها حبتين يوميًا لمدة شهرٍ، ثم تجعلها ثلاث حبات -أي: مائة وخمسين مليجرامًا- يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، وبعد خفض الجرعة إلى حبتين لمدة شهرين، ثم اجعلها خمسين مليجرامًا يوميًا لمدة شهرين آخرين، ثم خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة وعشرين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناول السيرترالين، ويمكن أن تُدعمه بدواء آخر يُعرف باسم (رزبريادون) بجرعة واحد مليجرام لمدة ثلاثة أشهر.

هذه أدوية رائعة وسليمة ومفيدة، أسأل الله تعالى أن ينفعك بها، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً