الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف الخلاص من مشكلتي مع الوسواس؟

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة جامعية، منذ 6-7 سنوات وأنا أعاني من وسواس قهري، تتدرج معي لأنواع كثيرة جداً، وفي كل مرة كان ينتقل لنوع أصعب من سابقه، ومع ذلك كنت أجاهد وأحاول الخلاص من الوسواس بكل ما أوتيت من قوة.

كنت -بفضل الله- من المتفوقين دائما، وكنت أشعر بحلاوة الإيمان أكثر كلما جاهدت الوسواس أكثر، إلا إنني في آخر المطاف منذ ثلاث سنوات أصبت بوسواس في العقيدة، ولكن -مع الأسف- لم أستطع مجاهدته، كان يأتيني في كل لحظة في يقظتي، وحتى في نومي.

كنت أحلم بكوابيس مزعجة مغزاها أنني كفرت -والعياذ بالله-، كانت تلك الأيام متعبة جدا لي، وشعرت حينها أنني لست مؤمنة حقا، واسود العالم حولي، ولم أجد للحياة طعما أبدا إلى هذه اللحظة، وأشعر بالتبلد في المشاعر واللا مبالاة، مع أنني غير راضية عن هذا.

أود الشفاء، وأن أعود حتى لنصف ما كنت عليه في السابق أيام الوسواس الأولى، لكنني لا أقدر، حاولت أن أقنع أهلي بالذهاب لطبيب أو معالج نفسي، لكنهم لم يسعفونني، بل سخروا مني ولم يخففوا عني.

أشعر بتيه وضياع كبير، لا أدرى من أين أبدأ؟ أشعر وكأن المشكلة تفاقمت عليّ جداً، لم أعد أدرس كالسابق أبدا (ليس عندي شغف المذاكرة كالسابق، وأشعر أن قدراتي قد قلت كثيرا جدا)، ومع ذلك أشعر بتأنيب ضمير على ما كان، وفي ذات الوقت أعاني من بلادة ولا مبالاة في أمور كثيرة.

دائما أشعر بالذنب حيال أي شيء سواء أكان صائبا أم لا، لا أستطيع الذهاب لطبيب نفسي في الوقت الحالي، وإن سنحت ليّ الفرصة فلن أتردد أبدا.

أرجو أن أكون قد أوضحت الأمر لفضيلتكم.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية.

رسالتك واضحة جدًّا، وقد وضحت أنواعًا وطبيعة وساوسك بصورة واضحة، وهي بالفعل وساوس قهرية، والحمد لله هي معظمها وساوس فكرية وليست وساوس طقوس أو وساوس أفعال، لأن وساوس الأفكار سهلة العلاج.

خطوات العلاج -أيتها الفاضلة الكريمة- تتمثل فيما نسميه بالتحليل السلوكي للوسواس، وذلك من خلال أن تكتبي كل هذه الأفكار في ورقة، تبدئي بأضعف الأفكار وتنتهي بأشدِّها، وبعد ذلك تُطبقي ثلاث تمارين على كل فكرة، التطبيق يتطلب ربع ساعة يوميًا على الأقل، وتجلسي في مكانٍ هادئ.

التطبيق الأول على كل فكرة هو ما يُسمَّى بـ (إيقاف الفكرة الوسواسية)، خاطبي الفكرة مباشرة قائلة: (أقف، أقف، أقف، أنتِ فكرة وسواسية حقيرة، أنا لن أعطيك أي اعتبار) وهكذا، تُكرّري هذا التمرين لمدة دقيقتين على الأقل.

ثم تنتقلي للتمرين الثاني وتُطبقيه على نفس الفكرة الوسواسية الأولى، وهذا التطبيق أو التمرين نسميه بـ (صرف الانتباه). صرف الانتباه نقصد به أن تأتي بفكرة أكثر سُموًّا وعلوًّا ورفعةً من الفكرة الوسواسية، لماذا ينشغل الإنسان بالوسواس؟ لأنه جعله في الطبقة العُليا من التفكير، ولذلك حين نأتي بفكرة أعظم وأفضل سوف تنزل الفكرة الوسواسية إلى طبقة دُنيا من الدماغ ومرحلة متأخرة في دَرَج الأفكار.

فأتِ بفكرة أخرى، فكرة جميلة، عن أي شيء، مثلاً: فكّري في دورة التنفس لديك، كيف أن الأكسجين يدخل من خلال الرئتين وينتشر في الدم، وكيف يحدث تبادل بين الغازات في الرئتين بطريقة محكمة تضمن عملية التنفس بشكل جيد، وكيف يتم إدخال الأكسجين إلى الخلايا والتخلص من ثاني أكسيد الكربون الناتج من العمليات الحيوية في الجسم، ... وهكذا، وقومي بعد التنفس لديك.

التمرين الثالث تُطبقيه على نفس الفكرة الوسواسية، وهو ما يُسمَّى بتمرين (التنفير)، مثلاً: إن وجدت رائحة كريهة قومي بشمِّها، وفي ذات الوقت استجلبي الفكرة الوسواسية.

أو مثلاً قومي بالضرب على يدك بقوة وشدة على جسم صلب، حتى تحسين بألم شديد، وفي ذات الوقت استجلبي الفكرة الوسواسية.

هذا التطابق ما بين إيقاع الألم والفكرة الوسواسية إذا كرَّره الإنسان عشرين مرة متتالية يُضعف الوسواس كثيرًا.

هذه التمارين تمارين علمية ممتازة، تتطلب الالتزام، وتُطبق على كل فكرة، وبعد أسبوعين إن شاء الله سوف ينتهي الوسواس تمامًا.

أضف إلى ذلك أنه يجب أن تُحقّري الوسواس بصفة عامة، يجب ألَّا تُناقشي الأفكار الوسواسية، يجب أن يكون هنالك تجاهل لها تمامًا.

والأمر الآخر هو: أن تُحسني إدارة وقتك، أن تتجنبي الفراغ الذهني والفراغ الزمني، لأن الوسواس يتصيد الناس من خلال الفراغ.

من المهم جدًّا أن تمارسي رياضة تناسب الفتاة المسلمة. أيضًا تطبيق تمارين الاسترخاء، خاصة تمارين الشهيق والزفير، من أفضل الوسائل العلاجية التي تقضي على القلق المصاحب بالوسواس. وتوجد برامج على اليوتيوب توضح كيفية تطبيق تمارين الاسترخاء، فأرجو الالتزام بها.

حاولي أن تتواصلي اجتماعيًا، حاولي أن تكوني دائمًا بارَّةً بوالديك، وأحسني إدارة وقتك، نومي مبكّرًا، وبعد صلاة الفجر ابدئي الدراسة، هذا وقت ممتاز جدًّا للاستيعاب العلمي، وتجنّبي السهر تمامًا وتجنبي النوم النهاري.

هذه هي النصائح العلاجية التي أنصحك بها، وهي كلها تقوم على أسس علمية، وهي في متناول الإنسان، وليست صعبة التطبيق، وإذا التزم بها الإنسان سوف يجني فائدة علاجية كبيرة.

بالنسبة للعلاج الدوائي أيضًا بالنسبة لك مفيد، وسوف يُساعدك مع هذه التمارين الثلاثة التي سبق أن شرحناها. أعرضي الأمر على أهلك.

عقار (فافرين) والذي يُسمَّى (فلوفوكسامين) من الأدوية الجيدة في مثل عمرك، وجرعته بسيطة، هي أن تبدئي بخمسين مليجرامًا ليلاً لمدة أسبوعين، ثم تكون الجرعة مائة ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة أسبوعين، ثم خمسين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً