الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القلق والخوف دمروا حياتي، ساعدوني للخلاص من ذلك.

السؤال

السلام عليكم.

عمري 30 سنة، منذ الطفولة أعاني من وسواس فقدان الأب، في سن 12 سنة كنت أعاني من المشي أثناء النوم، حتى تم اصطحابي لشيخ يقال أنه راق، لكن بعد فترة من الزمن اكتشفت أنه ليس راقيًا شرعيا، أعطاني أوراقا أشربها مكتوب عليها طلاسم، وفعلا وضعتها في الماء ثم شربتها كما قال لي، ومرت الأيام وكبرت وبلغت سن 17 سنة ودرست في الثانوية.

في يوم من الأيام خرجت مع أصدقائي إلى المقهى لشرب كوب قهوة، بعد عودتي إلى المنزل، وأنا في الطريق أحسست بالغثيان، وبإرجاع كل الأكل والشرب.

منذ ذلك اليوم انقلبت حياتي، حيث أصبحت أخاف، ولدي رهبة، ولا أنام في الليل خوفا من الموت، وأصبحت لدي هلاوس، فاستعنت بإمام المسجد ومجموعة من الراسخين في العلم الشرعي، وأهل الثقة قالوا لي: إنه سحر، ويجب عليك القيام بالرقية الشرعية، ففعلت.

قال الراقي أنه سحر في البطن على مستوى القولون، وأنه قديم، وعليك بالمواظبة على الصلوات الخمس في المسجد، مع الأذكار والصبر على الابتلاء، حتى يأتي الله بأمره وينزل الشفاء، ومع ذلك قمت بزيارة طبيب نفسي أعطاني دواء اسمه seroplex حبة في الصباح، وذهبت لطبيب المعدة قال لي: أنه تشنج في القولون العصبي، فاختلطت علي الأمور، وأصبحت لا أفهم وضعي، حيث أثرت الهلاوس والوساوس على حياتي اليومية والاجتماعية (من ضمن هذه الهلاوس والوساوس: الخوف من نزول السكر في الدم، أو الموت).

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أنا أعتقد أن الذي حدث لك هو نوع من قلق المخاوف، وأدَّى إلى كل هذه الأعراض الجسدية والأعراض النفسية، وطبعًا الموضوع تشابك وتعقّد من خلال ذهابك إلى الرجل المشعوذ، وما ذكره لك أو ما قام بفعله من طلاسم، ودخلت في هذه الدوّامة، وهذه إشكالية كبيرة جدًّا من الناحية الشرعية، فقد ورد أن (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ)، وورد أن (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا)، وحتى الراقي الذي قال لك أنه بك سحر بالبطن يجب أن ننظر إليه بتحفُّظٍ شديد جدًّا أيها الفاضل الكريم، لأنها أمور غيبية، ولا يعلم الغيب إلَّا الله، وللسحر علامات وأمارات، وهي أمور تشتبه بالأمور بالأمراض العضوية.

نحن نؤمن بوجود العين والسحر والمس وكل هذه الأشياء، لكن نؤمن أن الله خيرٌ حافظًا، وأن من يتوكل على الله فهو حسبه، وأنه لن يُصيبنا إلَّا ما كتب الله لنا، وأنه {وما هم بضارِّين به من أحدٍ إلَّا بإذن الله}.

فيا -أيها الفاضل الكريم-: حافظ على صلواتك وأذكارك، وتحصَّن بأذكار الصباح والمساء وبالرقية الشرعية التي يمكنك أنت رقية نفسك بنفسك، واحرص على تلاوة القرآن، وسل الله تعالى أن يحفظك. هذا هو الذي تحتاجه وليس أكثر من ذلك، ويجب أن تعرف أن الإنسان مُكرّم، أن الإنسان هو أفضل مخلوقات الله تعالى، {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممَّن خلقنا تفضيلاً}، فلن يأتيك إن شاء الله أبدًا ضرر، ولا تتردد على أي مشعوذ أو دجّال، الأمر لا يحتاج لأكثر ممَّا ذكرتُه لك، وتوكّل على الله، واحرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز.

وأنا أقول لك أن هذه الحالة حالة طبية، قلق المخاوف والوساوس أصبح الآن منتشرًا جدًّا خاصة وسط الشباب، لأننا نعيش في زمنٍ كثرتْ فيه المشاكل والأمراض والفتن هنا وهناك، وموت الفجأة، والحوادث من كل حدب وصوب، لذا انتشرت هذه الحالات، فتوكّل على الله، واعلم أنه رُفع القلم بما كان، وأن جفّت الصحف بما هو كائن وبما هو حاصل، وعش حياتك حياة صحية، والحياة الصحية تتطلب منك: عدم السهر، والحرص على النوم الليلي المبكّر، وأن تبدأ يومك بصلاة الفجر، وأن تمارس الرياضة، وألَّا تتخلف عن الواجبات الاجتماعية، وأن تكون بارًّا بوالديك، وأن يكون لك طموح وآمال في هذه الحياة، وأن تُحدد أهدافك، وأن تضع الآليات التي توصلك إلى أهدافك، وأن تكون في صحبة الصالحين، وأن تتجنّب الفراغ الزمني والفراغ الذهني هذه هي الحياة، وهذا هو المطلوب منك، -وإن شاء الله- أنت بخير.

أمَّا بالنسبة للعلاج الدوائي فأنا أقول لك: الـ (سيروبلكس Seroplex) والذي يُعرف باسم (اسيتالوبرام Escitalopram) دواء رائع، دواء ممتاز، وهو مطلوب في حالتك، أنت لم تُوضح الجرعة التي نصحك بها الطبيب، لكن أنا أقول لك: أفضل طريقة تتناول هذا الدواء بها هو أن تبدأ بنصف حبة -أي خمسة مليجرام من الجرعة التي تحتوي على عشرة مليجرام- تتناولها لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعل الجرعة عشرة مليجرام يوميًا لمدة شهرٍ، ثم اجعلها عشرين مليجرامًا يوميًا لمدة شهرين، وهذه هي الجرعة والمدة العلاجية المطلوبة، بعد ذلك خفض الجرعة إلى عشرة مليجرام يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها خمسة مليجرام يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقف عن تناول الدواء، دواء رائع، وسليم، -وإن شاء الله تعالى- سوف يفيدك كثيرًا.

وأريدك أن تُدعم السيروبلكس بعقار آخر يُعرف باسم (دوجماتيل Dogmatil) هذا هو اسمه التجاري، واسمه العلمي (سولبيريد Sulpiride)، تحتاج أن تتناوله بجرعة خمسين مليجرامًا – أي كبسولة واحدة – صباحًا لمدة شهرٍ، ثم تتوقف عن تناوله، هذا أيضًا دواء فاعل جدًّا، وداعم جدًّا لفعل الـ (سيروبلكس).

أيها -الفاضل الكريم-: أنت إن شاء الله بخير، وكل الذي بك هو نوع من قلق المخاوف، مع شيء من الوسوسة، وإن شاء الله تعالى كل الذي بك سوف يزول، اتبع ما ذكرناه لك، وتناول الدواء حسب ما هو موصوف، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر عاطف

    جزاكم الله كل خير علي هذا الجهد , اسال الله ان يجعله في ميزان حسناتكم

  • مصر أحمد

    بارك الله فيكم وجعله في ميزان حسناتكم

  • العراق محمد

    أعراض إصابة روحية والله أعلم، أعرض نفسك على الرقية الشرعية

  • العراق بدون اسم

    اشكركم على هذه الاستشارة والله اني كنت انتظرها من فترة جزاكم الله خيرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً