الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

على وشك الانتحار، أرجو المساعدة.

السؤال

السلام عليكم.

أقل ما يمكن التعبير عنه: أنا على وشك الانتحار، أريد المساعدة ليس من أجلي، بل من أجل عائلتي، لا أريد أذيتهم بمثل هذا الفعل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ السائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم بموقعنا

أجمل عبارة سمعناها منك (ليس من أجلي، بل من أجل عائلتي).

إذن هناك ما تعيش من أجله، وهم عائلتك التي سوف يحزنها خبر رحيلك -بالتأكيد-، على أننا كمسلمين نعتقد أن الحياة أوسع من مجرد عائلة، وأن هناك هدفا أسمى لنا في هذه الحياة جاء القرآن الكريم بذكره في سورة الذاريات:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين).

هناك تشبيه لطيف أحب أن أستخدمه دوما، بل أعتبره منهاج حياة "لا تيأس من التغيير".

‏كن سهلا كالماء يمر بسلام، فإن اعترضتْ صخرةٌ طريقَه بحث عن مخرج جانبي، فإن لم يجد استمر يحفر في الصخرة طويلا حتى يصنع له منفذًا".

الماء لا يلجأ إلى الانتحار، بل يمر بسلام ويحاول أن يصل إلى هدفه بكل الطرق المتاحة السليمة التي لا تضر أحدا ولا تصادر حق أحد، لذلك كان الماء هو أصل الحياة (وجعلنا من الماء كل شيء حيٍ).

فعلينا أن نبحث عن الحياة لنهبها للعالم لا أن نعدم الحياة ونبحث عن الخروج من هذه الحياة.

الحياة جميلة، ولها ألوان متعددة، لكن بعضنا قد يلبس لونا واحدا (اللون الأسود تحديدا) فيمل من كثرة السواد، ويتمنى أن يختفي عن هذه المشاهد ولو بالانتحار، والحل سهل ميسور، أن يخلع النظارة السوداء وأن يلبس نظارة شفافة تظهر له كل الألوان الجميلة ليشعر بالراحة والسعادة ولذة الحياة حتى لو كان فيها صعوبات ومتاعب، فهي ملح الحياة.

يقول الله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في كبد) أي مكابدة ومشقة، وهذا ليس تعذيبا للإتسان، بل هو محض ابتلاء واختبار: ﴿تَبَـٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءࣲ قَدِيرٌ. ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ﴾، [الملك 1-2].

فإذا فهمنا الغاية من الحياة سهل علينا تحمل تكاليفها وتبعاتها، وقد كان بلال بن رباح -رضي الله عنه- يعذب في صحراء مكة وتوضع الصخرة العظيمة على صدره ليعود عن دين الله تعالى فلا يزيد على أن يقول: أحد، أحد، فلما سئل بعد ذلك عن سر صموده أجاب: مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فرجحت حلاوة الإيمان.

إذن كلمة السر هي (الإيمان) نحتاج إلى أن نؤمن أكثر لنتحمل أكثر، لذلك نجد إحصائيات الانتحار عند غير المسلمين أكثر بكثير منها عند المسلمين، بل لا تكاد تقارن، وما ذلك إلا بسبب رابطة الإيمان التي تجعلهم يصبرون على الدنيا ولأواها وتعبها، فهم يعلمون أنها أيام معدودة ثم يلتقون ربهم محتسبين صابرين ليعوضهم عن التعب والنصب الذي لا قوه في الدينا.

عن أنس -رضي الله -قال: قال رسول الله ﷺ: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغةً، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغةً في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط، هل مر بك شدةٌ قط؟ فيقول: لا، والله ما مر بي بؤسٌ قط، ولا رأيت شدةً قط". رواه مسلم، بمجرد تأمل هذا الحديث يهون على المسلم كل مصائب الدنيا التي يتخيلها.

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً