الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من الاكتئاب الذي دمر نفسيتي وجعلني أخاف من الموت

السؤال

السلام عليكم.

أنا طالب طب، أبلغ من العمر 20 سنة، أعاني من قلق شديد، وخوف من فقدان السيطرة، والخوف من أشياء عديدة، أي بشكل عام من القلق، حيث في بعض الأحيان -وليس دائما- أحس بأنني منزعج وغير قادر على ممارسة نشاطاتي، حيث كل ما أريده هو أن أبقى في المنزل، أنزعج من الأصوات والضوء، أحس بأني لم أعد طبيعيا كما كنت شابا يصلي، مجدا محبا للحياة، وهذا كله حدث بعد أن تعاطيت الحشيش مع أحد أصدقائي، وأصبت بنوبة من الهلع؛ لأني أول مرة أجربه، ومنذ ذلك الوقت بدأت تأتيني دوخة، ودوار، فذهبت إلى الطبيب، فوجد ضغطي عاليا، فتولد لدي خوف من الموت، ومع ذلك تبت إلى الله، وبدأت أذهب إلى المسجد كل يوم، وبدأت أمارس الرياضة، ولكن الخوف من الموت بعيدا عن أهلي شكل لي هاجسا، ولكن حالتي النفسية كانت مستقرة ما عدا الخوف من الموت الذي ظل يرافقني في هذه الفترة، ولكن لم يهز نفسيتي.

بعد شهر عدت إلى أهلي، وتحدثت مع الوالد عن الأعراض التي حدثت لي، علما أنه طبيب، ولكن لم أقل له ما حدث، قمت بجميع الفحوصات والنتيجة سليمة، حتى أن ضغطي أصبح نوعا ما عاديا، فقال لي أبي: إن الأمر نفسي، ويجب علي أن لا أكون جبانا، فأنا هنا دخلت في الاكتئاب، الأعراض كالدوخة، والتشتت في الرؤية لم يزل، فظننت أنني فقدت السيطرة على نفسي، وبدأت أحس بتأنيب ضمير؛ لأنني السبب في ذلك، وأنني قد ضيعت حياتي بذلك، بعد ذلك أخذت مضادا للاكتئاب (اسيتالوبرام) تحسنت حالتي قليلا، واجتزت امتحان قبول الطب في بلدي ونجحت، ولكن للأسف ظللت وحيدا دون صديق، وأصابني الشوق والحنين لتلك البلاد مما زاد الطين بلة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء.

حالتك هي نوع من قلق المخاوف، وكما تفضلت وذكرت فإن تعاطيك للحشيش كان هو السبب في ذلك، حيث إن الحشيش يُؤدي إلى زيادة في إفراز مادة الدوبامين على مستوى المُوصِّلات العصبية الدماغية، والدوبامين هو مُوصِّل عصبي رئيسي، والناسُ تتفاوت حقيقةً في درجة استجابتهم لتعاطي الحشيش، فأنت من الجرعة الأولى حدث لك ما حدث، وهذا من فضل الله تعالى عليك، وردة الفعل الشديدة المخيفة التي حدثت لك قطعًا فتحت لك طريقًا إلى باب التوبة، وهذا بابٌ عظيمٌ جدًّا، الحمد لله على ذلك.

الذي يظهر لي أنه بالفعل لديك القابلية للقلق وللخوف، والقلق هو الذي ساعدك لأن تنجح في الحياة، ولأن تدخل كلية الطب البشري، القلق يمكن أن نوظّفه توظيفًا إيجابيًا، لا نتركه ليحتقن، لأنا إذا تركناه يحتقن فسوف يتحوّل إلى طاقة سلبية كبيرة، ويتمثّل في إعاقة الإنسان عن كل أمرٍ إيجابي.

أريدك أن تكون إيجابيًّا، أن تتجاهل كل هذه الأعراض، والدواء الذي سوف يُفيدك هو عقار (دوجماتيل Dogmatil) والذي يُسمَّى علميًا (سولبيريد Sulpiride)، دواء ممتاز جدًّا للقضاء تمامًا على هذه الأعراض، ولا أعتقد أنك تحتاج للـ (إسيتالوبرام Escitalopram)، ليس لديك اكتئابًا نفسيًّا بيولوجيًّا حقيقيًّا، إنما هو مجرد عدم القدرة على التكيُّف والتواؤم البيولوجي، نسبةً لتعاطيك مادة الحشيش.

الدوجماتيل تحتاج له بجرعة خمسين مليجرامًا صباحًا وخمسين مليجرامًا مساءً لمدة شهرٍ، ثم خمسين مليجرامًا فقط صباحًا لمدة شهرٍ آخر، ثم تتوقف عن تناوله. هذه جرعة بسيطة جدًّا، وسوف يكبح إن شاء الله تعالى جماح كل القلق والتوترات، وكذلك الأعراض الجسدية كالشعور بالدوخة والتشتت في الرؤيا.

بجانب الدوجماتيل - كخطة علاجية - أريدك أن تكون إيجابيًّا في تفكيرك، أن تُحقّر كل أفكار الخوف والتوترات هذه، وأن تُنظّم وقتك، تنظيم الوقت يُعتبر عاملاً رئيسيًّا أساسيًّا للتعافي والشفاء إن شاء الله تعالى. تجنّب السهر، وهذا كذلك شيء أساسي، ومن خلال النوم الليلي المبكّر سوف تترتّب وتنتظم الساعة البيولوجية لديك، بحيث تكونُ في أفضل حالاتها.

هذا النوم الليلي المبكّر يُتيحُ فرصة لترميم الخلايا الدماغية والجسدية، وبالتالي تستيقظ مبكّرًا وتُؤدي صلاة الفجر، وتبدأ يومك، هذا البكور فيه بركة كثيرة جدًّا، وكثير من الهرمونات الإيجابية مثل الـ (ميلاتونين Melatonin) والـ (الدوبامين Dopamine) والـ (سيروتونين Serotonin) والـ (أوكسيتوسين Oxytocin) والـ (الإندورفينز Endorphins) والـ (إنكفلينز Inkfluns)، هذه وغيرها من المواد تُسمَّى بـ (هرمونات السعادة)، وهذه تُفرزُ في الفترة الصباحية، فيمكنك أن تستفيد من هذا الوقت مثلاً للدراسة، ساعة من الدراسة بعد صلاة الفجر تُساوي ساعتين إلى ثلاثة في بقية اليوم، والإنسان حين يبدأ بداية صحيحة يُنجز في الصباح؛ قطعًا الأمور تتيسّر له في بقية اليوم، ويحسّ بأن الدافعية لديه في أفضل حالاتها.

أريدك أيضًا أن تمارس رياضة، أي نوع من الرياضة - رياضة المشي، رياضي الجري - كلها مفيدة لك، ويا حبذا لو كانت رياضة جماعية، مثل مثلاً: لعب كرة القدم مع مجموعة من أصدقائك.

احرص على الواجبات الاجتماعية، خاصة برّ الوالدين، والتواصل الاجتماعي، ومشاركة الأصحاب والأصدقاء والأقارب في أفراحهم وفي أتراحهم، زيارة المرضى ... هذه كلها فيها خير كثيرٌ لك. وعش حاضرك بقوة، ومستقبلك إن شاء الله تعالى يكون مستقبلاً مُشرقًا وإيجابيًّا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً