الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حياتي تتدَّمَّرُ يوما بعد يوم بسبب الضعف والخجل ولا أجد حلاً لهما.

السؤال

السلام عليكم.

لما بلغت الثانية عشر من العمر واُصبت بنوبة كآبة حادة لا مسبّب ولا مبرر لها، اِنتابني ضيقٌ وحزن وهلع شديد من دون سابقِ إنذار، فحُرمت النوم، والأكل، والتبسُّم حتى بقيتُ على هذا الحال ما يقارب العشرين يوما، ثم اِضمحل هذا الضيق العُجاب لوحده دون أدنى سعي للتخلص منه، ولكني لم أعد كما كنت مطلقاً.

بدأت العزلة وحبُّ التفرُّد يطوقانني فبعدما كنت اجتماعية تسرُّني التجمّعات والدردشات، غدوتُ انطوائية صامتة، لا أجد راحتي إلا في الأمكنة الخاوية الهادئة، كنتُ على قدر من الجمال فباشر هو بدوره بالتلاشي بعد تلكمُ المصيبة، وبدأ الخجل والضعف يتسربانِ إلى شخصيتي، حتى صرت أعجز عن اِستقبالِ كل ضيف قدم إلينا، وآثرُ التخفيَ على مقابلته وتبادلِ الحديث معه.

ولما أتممت عامي الخامس عشر تفاقم دائي هذا بشكلٍ رهيب، حتى شعرتُ لوهلة أنني كُلفت ما لا أطيق، فإضافة إلى الخجل الذي أضناني أتاني ما يعرَف بالرهاب الاِجتماعيِّ وآل إلى أقصى درجاته في غضون شهور قلائل، وتغيرت ملامحي بدورها وساءت أكثر من ذي قبل، واُصبت كذلك بالوساوس القهرية، وخصوصا بتلك التي تمسّ العقيدة، والرعب الذي كان يختلجني كلما خرجت من المنزل لم أطقهُ، لم أستطع مواجهته كما طلب مني جلُّ الأطباء الذين زرتهم، كنت أضطر إلى الاستفراغ كلما تحتّم عليّ الخروج من المنزل لقضاء حوائجي من كُثْر التفكير والخوف، فقدت شهيّتي فاِزدادت حالتي سوءًا، وضعفت بنيتي، وفقدت اِمتيازي الدراسيّ.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إكرام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الفاضلة-، ونشكر لك تواصلك معنا من خلال استشارات الشبكة الإسلامية.

واضح من سؤالك أنك في مرحلة المراهقة، عندما كنت في الثانية عشر من العمر مررت بحالة نفسية، شعرت معها بالاكتئاب، واضطراب النوم، وذهاب الابتسامة، والتي هي أحد أعراض الاكتئاب، ولكن الحمد لله أن هذا شُفي تمامًا بدون علاج خلال عشرين يومًا، إلَّا أنك بدأت تحبين العزلة والانفراد، وتغيّرت طبيعتك من كونك اجتماعية تُحبين لقاء الناس، فأصبحت منطوية خجولة.

ثم في عمر الخامس عشر أصبت بشيء من الرهاب من مغادرة المنزل، والخجل من التقاء الناس، وبعض الأفكار الوسواسية القهرية المتعلقة بالعقيدة، وكل هذا أثّر على دراستك.

أريد أن أذكر هنا أن فترة المراهقة عند الفتيات كثيرًا ما تكون مترافقة مع تغيُّرٍ في طبيعة الشخصية، إلَّا أن غالبية الفتيات يتجاوزن هذا، ويخرجنَ منه، وتعود الأمور إلى طبيعتها، ولكن عند البعض قد تتطور الأمور بشيء مشابه لما حصل معك، من تغيُّر في الشخصية، وحُب العزلة والابتعاد عن الناس، وخاصّةً إذا ترافق هذا مع شيء من الوسواس القهري أو الرهاب، وكلُّ هذا يحصل خاصة إذا وجدت عوامل وراثية أو بيئية أسرية واجتماعية.

ذكرت أن عددًا من الأطباء نصحوك بالمواجهة وعدم تجنب الخروج من البيت، وهذا أمرٌ حق، ولكن يا تُرى ما هي التشخيصات التي ذكرها هؤلاء الأطباء؟ .. فقط المطلوب عمله الآن أمران:

الأمر الأول: تحديد التشخيص بشكل دقيق، هل نحن نتعامل الآن -ليس في الماضي، الآن- هل نتعامل مع حالة من الوسواس القهري، أم رهاب الخروج من المنزل، أم الاكتئاب، أم كلها معًا؟ وربما يُفيد معرفة تسلسل هذه الأمور لنعرف الداء الأساسي، ثم ما هي النتائج التي نتجت عن هذا الداء الأساسي.

ثانيًا: لا بد من المواجهة كما نصحك الأطباء بذلك، فلا تتجنبي الخروج من البيت، فهذا لا يحل المشكلة، وإنما يزيدها تعقيدًا، ويزيدُ في عزلتك، واكتئابك، وابتعادك عن صديقاتك ودراستك، ولكن مع هذه المواجهة قد يكون لابد من العلاج الدوائي الفعّال، سواء لعلاج الوسواس القهري، أو لعلاج رهاب الخروج من المنزل، أو الاكتئاب. والخبر السعيد أن الدواء نفسه سيُساعد في هذه الأمور الثلاثة في تخفيف الأفكار الوسواسية القهرية، وفي تخفيف أعراض الرهاب، وفي (كذلك) تخفيف أعراض الاكتئاب.

فلا تترددي في مراجعة طبيبٍ، وأرجو أن تلتزمي بطبيب واحد، وتتابعي معه -أو معها- العلاج المناسب.

أدعوه تعالى لك بالصحة والشفاء العاجل، لتستعيدي نشاطك وهمّتك، وتُركزي أكثر على دراستك لتكوني من المتفوقين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً