الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أرجع لزوجي مع علمي أنه سيعاملني معاملة قاسية؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا متزوجة لمدة عشرين سنة، كانت حياتي غير مستقرة منذ أول سنة زواج ونحن في خلافات دائمة بسبب اختلاف الطباع، وصغر سني، حيث تزوجت في الخامسة عشرة، وفي فترة زواجي ذقت فيها كل أنواع الإهانة من الضرب الذي يصل لعاهات، وكدت أموت في أكثر من مرة لولا لطف الله بي، إضافة إلى أساليب العقاب النفسية من السب لي ولوالدي، ووصل الأمر للقذف في شرفي، والتشكيك في أخلاقي عندما كنت أذهب لتحفيظ كلام الله في دروس خاصة لأطفال صغار لكي أنفق علي نفسي وأولادي، إضافة إلى حرماني من صلة أهلي أحيانا، فأمنع من كلامهم بالشهور، ومن زيارتهم بالسنين، حيث أني أقيم في بلد عربي مع زوجي، وأهلي في بلد آخر.

مرورا بالمنع من زيارة صديقاتي، فأحيانا يمنعهم من زيارتي، حتى زوجات إخوانه كنا نمنع من زيارتهم ونحن في نفس البيت، والخروج للتنزه كان يرفض أغلب المرات لكن إحقاقا للحق كان يسفرنا سياحة خارج الدولة عدة مرات، وكنا نذهب للعمرة والحج باستمرار بفضل الله تعالى.

المال كان يضيق علينا فيه، وحاجاتنا الضرورية غير الطعام كنا نشتريها بشق الأنفس، إلى أن عملت فأصبحت أنفق على نفسي وأولادي، وكان هو يتكفل بالطعام إلى أن انتقلنا في بيت مستقل عن أسرته، فطالبني باعطائه راتبي كاملا وهو يعطيني منه مصروفا فرفضت، فقام بضربي بشدة حتى أخذه بالفعل، وكان يعطيني مصروفا إلى أن حدثت ظروف ما في تلك البلد، وساءت ظروفه المادية، فأصبح لا يأخذ مني المال، ولكن تكفلت بكامل مصاريف البيت والأولاد، وبعد تحسن حالته المادية استمر الوضع على ذلك، ورفض أن ينفق إطلاقا.

بالإضافة إلى أخذه لميراثي من والدي، وقيامي بكل شؤون أولادي والبيت، وكان لا يتحمل أي مسؤولية، حتى إصلاح السيارة كنت أقوم بإصلاحها، وكان يأمرني بمساعدته في عمله، وعندما أرفض أصبح عاصية وسيحاسبني الله، وأكون من أهل النار؛ لأنه يرى أن المرأة يجب عليها طاعة زوجها ما دام أنه لم يأمرها بمعصية.

أما أولادي فالوصف الأمثل لعلاقته معهم أنهم كانوا أيتاما رغم وجود أبيهم، فلم يروا حبه، ولا رعايته، ولا اهتمامه، لم يروا منه سوى ضربه لي أمامهم، وحالات الرعب والهلع التي كانوا يعيشونها، ووصل بهم الحال أنهم كل يوم يستيقظون ليطمئنوا علي، ويقولون نخشى أن نستيقظ يوما نجد أبي قد قتلك، حاولت الطلاق أكثر من مرة، ولكن زوجي عاش مع أمه بعد انفصالها عن والده، فأصبح عنده عقدة من الطلاق فكنت إذا طلبت الطلاق يضربني ويقول لي بالنص: (أقتلك ولا أطلقك، ستعيشين رغما عنك خدامة هنا تحت رجلي).

كبر أولادي، ووصلوا للجامعة، ووقتها أجمعوا أنهم لن يتحملوا الحياة معه أكثر من ذلك، حتى قررت أن أتركه، وبالفعل رتبت مع أولادي بدون علمه أننا إذا ذهبنا إجازة لبلدنا أن لا نعود، وهذا ما حصل أول ما ذهبنا أخبرت إخوتي بما يفعله معي، وأنني لن أعود، وبالفعل أبلغه إخوتي بذلك، ووقتها هو طلب من أخي أن أبقى على ذمته، وأن أستقر في بلدي، وينفق علي وعلى أولادي، وينزل لنا إجازات، وإنه سيتغير ولن يعود أبدا لما كان عليه، وتم ذلك، ودخلت بناتي الجامعة، واستمر الوضع على هذا.

بعد عدة شهور بدأ في التضييق علي، ويريدني أن أسافر أنا وأولادي إليه، ونترك بلدنا وبناتي يفقدن جامعاتهم، ونبدأ من جديد ليحاول إدخالهم جامعات عنده في بلد إقامته بعد أن تكون ضاعت سنة عليهم،
وأنه تغير، ولن يقوم بضربي، ويعاملني معاملة حسنة.

والآن يرى أنني عاصية لأني لم أطعه، حيث رفضت أن آخذ أولادي ونذهب لنعيش معه مرة أخرى، ويدعو علي لأنني حرمته من أولاده رغم أننا طلبنا منه أن نذهب إليه زيارة في الإجازة ورفض، ونزل لنا من فترة زيارة، وجلس معنا شهرا كاملا، أنا رفضت العودة؛ لأنه عندما يغضب يفقد التحكم في نفسه وهو بنفسه يقول: لا أعرف لماذا كنت أعاملكم هكذا.

أولادي رافضون للعودة بشدة، وأنا كذلك أخاف أن نعود لنفس الوضع وهذه المرة سيحرمني من أهلي، ولن يسمح لي بالنزول لبلدي للأبد؛ حتى لا أتركه، فهو إنسان انتقامي، ولا يتنازل أبدا.

سؤالي: هل يجب علي العودة رغم ما اتفق عليه سابقا مع إخوتي وهو من طلب ذلك بدل الطلاق؟
سؤالي الآخر: ما الحد الذي يجب على أولادي صلته به، فهو يرى أنهم ما داموا غير موجودين في بيته فهم لا يصلونه، هم يكلمونه كل أسبوع، وهو غير راض عن ذلك، ما الحد الذي يكونون به غير قاطعين له؟

أعتذر عن الإطالة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أم عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك أختنا الفاضلة في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والصبر وحُسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يعوضك خيرًا، وأن يُصلح لنا ولكم النية والذريّة، وأن يُلهمنا السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

سعدنا جدًّا بهذا الصبر وهذا التحمُّل، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجزيك خيرًا، وأن يُعوضك خيرًا، ونحب أن نؤكد لك أن تقييم حالة هذا الزوج نحتاجُ فيها إلى النظر إلى ما فيه من إيجابيات، حيث لم نلمس إلَّا حرصه على أن تذهبوا إلى العمرة، لكن بقية الأمور كانت سلبية، لأنَّنا لن نستطيع أن نقيّم التقييم الصحيح، حتى نرى الصورة كاملة.

وما وصل إليه زوجك مع إخوانك من اتفاق بأن تبقي في ذلك البلد ويبقى هو هنا ويقوم بواجباته، هو اتفاق يمكن أن تستمري عليه دون حرج شرعي، والأمر راجع إليك، وأنت صاحبة المصلحة، ولكن عليك أن تُسددي وتقاربي. إذا كان يستطيع أن يمرّ عليكم، أو كان بالإمكان أن تمروا عليه دون أن تتضرروا فأرجو أن يحصل ذلك، وإذا لم يحصل ذلك فأرجو أن تجتهدي في حُسن الاعتذار له، ولا مانع من أن تستمري مع أبنائك ويأتيكم بين الفينة والأخرى، حتى تأمني من الشر، وحتى تأمني من الأذية والانتقام الذي أشرت إليه، وفي الأزواج مَن يفعل هذا، لكن نحن نعتقد أن الأمر يحتاج منك إلى:

أولاً: الدعاء له.
الأمر الثاني: الحرص على تشجعيه على البحث عن العلاج إذا كان بحاجة إلى علاج ورقية شرعية، حتى تتغيّر عنده هذه الصورة، فكونه لا يشعر عندما يغضب وكونه يفعل أشياء -كالتي أشرتِ إليها- الأمر يحتاج إلى مقابلة راقٍ شرعي، ومقابلة أيضًا طبيب نفسي، إن تيسّر ذلك، وكان بالإمكان أن تطرح له الفكرة بهذا الوضوح حتى يقوم بها.

أيضًا ينبغي أن نُدرك أن هؤلاء الأبناء ينبغي أن يبرُّوا والدهم مهما كان، ويجتهدوا في إرضائه، ويتواصلوا معه، والذي أفهمه أنه يقوم بالصرف عليهم والإنفاق عليهم، فإذا كان يُنفق عليهم وكان بالإمكان زيادة التواصل معه، والاهتمام به، والإحسان إليه من قِبل الأبناء، بعد تشجيعك لهم، لأن هذا الذي يحصل من الأب لا يُبرّر للأبناء التقصير في حقه.

وعليك أيضًا أن تُكملي هذا المشوار الجميل في تربية الأبناء، بأن تعلّميهم تقدير والدهم وحُسن الاعتذار له، والتواصل معه، والاهتمام به، لأن هذا يجب عليهم، هذا واجب شرعي، وهذا ممَّا يُحسّن العلاقة بينك وبينه، عندما يشعر أنك تُحرّضين أبناءه على بِرِّه، رغم المرارات التي عاشوا فيها، ورغم الظروف الصعبة التي عشتم فيها وصبرتم عليها.

ونتمنَّى عدم الوقوف أمام ذلك الماضي الذي كان مليئًا بالآلام، فإن الإنسان إذا وقف مع الأيام المؤلمة والمواقف المؤلمة فإن هذا يُعكّر عليه مستقبله، ويُعكّر عليه حياته.

عليه أرجو أن تحاولي تأسيس حياتك على نمط جديدٍ، وتشجيع زوجك ليتواصل مع الموقع ليعرض وجهة نظره ويعرض ما عنده، حتى نتناقش معه، والرجال ينتفعون من كلام إخوانهم، فشجّعيه على أن يتواصل مع الموقع ويعرض ما عنده، ونسأل الله أن يُصلح النية والذريَّة، وأن يُؤلِّف القلوب، وأن يجمع بينكم على الخير دائمًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً