الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يجب أن يكون حال الملتزم؟

السؤال

السلام عليكم

هل من واجب المسلم الملتزم أن يكون ناجحا أو متفوقا في حياته وعلاقاته الاجتماعية؟ وماذا إن كان يريد الالتزام لكنه عاطل عن العمل أو ضعيف دراسيا، وليس لديه معارف أو أصدقاء كثر، فهل سيكون بذلك فتنة للمسلمين لأنه سيجعل الناس تظن بأهل الدين سوءا؟ وما حكم ذلك؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ abdulmajeed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك أخي الكريم في موقعك وبين إخوانك في إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك في عمرك، وأن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

وبخصوص سؤالك، فاسمح لنا أن نصيغ السؤال بطريقة أخرى حتى يكون الجواب دقيقا وواضحا.

أولا: هل من شرط الملتزم أن يكون متفوقا دنيويا؟ نقول لك: الجهة منفكة، وليس الالتزام مقصورا على النابغين أو المتوفقين دنيويا، بل رحمة الله أوسع من ذلك، وقد تجد إنسانا مستقيما في أخلاقه، متدينا في حياته، وهو يعمل مهنة تدل على أنه لم يأخذ حظه من التعليم، قد تجد بوابا تقيا، وطبيبا عاصيا، وقد تجد عامل نظامة صالحا وعالم ذرة فاسدا، وعليه فليس هناك تلازم شرطي بين التدين والتفوق الدنيوي.

ثانيا: هل الواجب على المتدين أن يكون ناجحا في حياته؟
نقول: إن أولى الناس بالعمل الجاد في الدنيا، وطلب العلم فيها، والسعي في أفيائها، وطلب الرزق، هم أهل التدين، لأنهم يؤمنون بأن هذا العمل وهذا الطلب مطلب ديني، قال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [(77) سورة القصص].

ومعنى قوله:{وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}، أي: مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح، ومن طلب العلا في العلم وغيره.

قال الحسن وقتادة: "معناه لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه، ونظرك لعاقبة دنياك"

وإذا نظرت إلى كل مناحي الحياة وجدت الإسلام يحث المسلم عليها ويرغبه فيها، ونضرب مثالا بالعلم، فعن أبي الدرداء -رضيَ الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ، وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ، وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ له من في السماواتِ ومن في الأرضِ، والحيتانُ في جوفِ الماءِ، وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا، ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ).

فهذه هي الشّريعة الإسلامية المباركة تحثّ على العمل للدنيا والتفوق فيها، وتذمّ البطالة والكسل.

ثالثا: هل إذا اجتهدت ولم أستطع التفوق فهل هذا يؤثر في تديني؟
الله عز وجل منح كل إنسان قدرات، وأعطاه الملكة على التفوق والإبداع، والناس تختلف في عطايا الله عز وجل، لكن المطلوب منك إفراغ جهدك في تحصيل ما نويته، ثم بعد ذلك لا يضرك ما نقص منك، بل أنت مأجور في كل جهد تبذله ما دامت نيتك خالصة لوجه الله، وطلبك العلم أو أي عمل دنيوي قصدك فيه مشروع.

أما المحذور أخي الفاضل: أن يرزقك الله الملكات والقدرة ثم تقابل ذلك بالتكاسل، وقد قال المتنبي وصدق:
وَلم أرَ في عُيُوبِ النّاسِ شَيْئاً
كَنَقصِ القادِرِينَ على التّمَامِ

رابعا: هل لو كنت ضعيفا في دراستي -بعد أخذي بالأسباب- يضر ذلك بعض المسلمين ويكون فتنة لهم؟
بالطبع أخي لا يضر أحدا، وليس فيه فتنة لأحد، نعم تفوقك يجعل منك قدوة لغيرك، وهذا ما نحثك عليه، ولكن عدم الوصول إلى التفوق بعد بذل الجهد لا يعيبك ولا يضر تدينك.

إنما الفتنة تكون في السلوك والأخلاق والعبادة، كأن يكون ملتزما ثم يفعل ما يضر تدينه من سلوك أو أخلاق سيئة، هذا ما لا ينبغي أن يكون عليه الملتزم الصالح.

نرجو أن نكون قد وفقنا في الإجابة على ما تريد، ونحن إخوانك في أي وقت راسلنا، والله الموفق

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً