الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي يكثر انتقادنا وأسلوبه لاذع، فكيف نتعامل معه؟

السؤال

السلام عليكم.

عندنا مشكلة مع والدي، فهو شخص متكبر، ولا نعرف كيف نتعامل معه، هو كثير الانتقاد لكل شيء، حتى أبسط الأشياء، كالبدء بتقطيع البصل بالطول أم بالعرض، وأسلوبه لاذع، فيه إهانة وتعمد لجرح الكرامة والانتقاص، يجب أن ينتصر علينا بكل نقاش مهما كان عاديا، لا يتوانى في عرض نفسه، وأنه مثقف أمامنا وأمام الآخرين، حتى لو كان إنسانا بسيطا أمّيا، وأنه الأفضل والأذكى والأكثر علما ومعرفة، لا يخطئ، رأيه دائما سديد، ويجب أن نسعى لنيل حبه، وأن نكون كما يريد هو، ونفعل الأمور كما يريد، وكما يراها صحيحة، وإلا فنحن فاشلون، لا قيمة لنا، بلا فائدة، ولن يحبنا وسيكرهنا، وقالها لي مرة.

والنقاش معه صعب، ولو كان بأدب، فإن شعر باحتمالية لومه أو تخطئته، نصبح عديمي التربية والأخلاق، ونستحق أن تكسر رؤوسنا ويدعس علينا، حتى نحن الفتيات يقيمنا بمقدار المال الذي نجنيه في العمل، فأنا لم أجد وظيفة، وأساعد أمي بالمنزل، يعاملني بطريقة مختلفة، ينظر لي باحتقار وأني فاشلة بلا شخصية، أضيع وقتي بلا فائدة، وغير مستقلة ماديا.

وأكثر تضررا أخي، لا يرضى عنه حتى لو أشعل له أصابعه العشرة، بأي فرصة يهينه، بغيابه أمام الآخرين، وينتقص من شأنه، ويقول ما ليس فيه، وأنا لا أطيق بقاءه في المنزل، فالجو يصبح متوترا، وأشعر أني مقيدة ومهددة بأي لحظة من أن يغضب علي لأي غلط تافه قد أفعله سهوا، كنسيان إطفاء ضوء الغرفة بعد الخروج منها، حتى أمي تتأذى منه كثيرا.

أتمنى أن تساعدونا، فنحن لا نريد أن نعقه، وبنفس الوقت أصبح الأمر يؤثر على شخصياتنا وتعاملنا مع الآخرين، مما أدى إلى توتر وقلق دائم، ومشاكل بالثقة.

وبارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هند حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، نسأل الله أن يُعينك وأفراد الأسرة على البر بهذا الوالد وعلى الصبر، ونسأله تبارك وتعالى أن يهدي الوالد لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

لا شك أن هذا الوالد يحتاج إلى تعامل خاص، والذي نحب أن نؤكد عليه أولاً هو ضرورة ألَّا تقفوا أمام الوالد مناقشين محاورين رافضين لما يقوله، وأرجو أن يكون هناك نوع من المدارة، والمداراة مطلوبة، وهي: أن نعامله بما يقتضيه حاله، وهذا مهم، المداهنة مرفوضة، لكنّ المداراة مطلوبة، أكرر: المداراة هي أن نعامل الإنسان بما يقتضيه حاله، وحال الوالد يقتضي أن نستمع إليه، أن نؤيّده، ألَّا نُجادله، ألَّا نعترض على كلامه، ألَّا نقف أمامه منتقدين أو لائمين له، لأن هذا لا يُقدّم بل يُؤخّر، وهذا يُلحق بنا الضرر، وهو سبب لتوتر المنزل بكامله، وهذا مهم.

فنحن أيضًا ينبغي أن نشعر ونعرف أننا نتعامل مع الوالد وليس مع زميل نأخذ ونعطي ونُخطئ ونلوم ونجادل، وهذا حتى بين الزملاء يجلب النفور، فكيف إذا كان هذا من طبع الوالد. إذا كانت الوالدة قد صبرت عليه فأرجو أن تستفيدوا من صبر الوالدة، وتتعلّموا منها ضرورة تمشية الأمور، فلن يضرّكم أن يكون الوالد عبقريًّا ذكيًّا أو يرى نفسه هكذا، يعني: نحن لسنا في جدال حتى نثبت أنه ليس عبقريا، وليس الأفضل، هذا لا يقدم ولا يُؤخر.

ولذلك أتمنى أن تهتموا بهذا الجانب، وهي ضرورة أن تسيروا مع الوالد، وتُحسنوا الاستماع إليه، وتفعلوا ما فيه مصلحة وما يُرضي الله، ومن أهم أبواب البر أن يُحسن الإنسان الاستماع للوالد وللوالدة، ولا نجادل ولا نقول: (هذا خطأ، لا هذا كان زمان، أنت ما تعلمت، وهذا درسناه، وأنت كذا)، هذا أمرٌ لا يُقبل، ولذلك لا تُضيقوا على أنفسكم.

وأعتقد أن هذا النماذج من الآباء معروف عند الأهل وعند الجيران وعند الأعمام، معروف هذا النمط، بل الكل يتعايش معه بما يقتضيه حاله، ولا يضرنا إن كان يرى نفسه فاهمًا عالمًا وأفضل من مشى على الأرض، هذا لا يضر، لكن نحن بالنسبة لنا ينبغي ألَّا نأخذ الأمور بهذا التوتر وبهذا الضيق، ثم إن كلامه عن شقيقك الذي يكون غير موجود لا يضرّ هذا الابن، وأرجو أن تُشجعيه ليتواصل معنا، فإن العبرة بنجاحاته، والعبرة بنظر الآخرين إليه، ليس نظر الوالد، فالوالد يكون من هذا النمط الذي لا يُعجبه شيء.

كذلك بالنسبة لك استمري في مساعدة الوالدة، ولا تتأثري بهذا الكلام الذي يقوله، يعني: إذا كان الوالد لا يُعجبه شيء فلماذا نتأثر نحن إذا لم يُعجبه تصرفنا أو عملنا، أو كان ينظر إلى الحياة بناحية مادية، كلُّ هذا نؤكد أنه صعب، لكن بالصبر والتجاوز وعدم إعطائه أكبر من حجمه، ومعرفة طبيعة الوالد، تهون هذه الأمور، ونسأل الله أن يُعينكم على النجاح.

ومهما تكلم الوالد، فإن العبرة بالنجاح الحقيقي لكم، العبرة بطاعتكم لله، العبرة بمعرفة كل واحد من أفراد الأسرة بالجوانب الإيجابية التي يراها الآخرون ويراها هو من نفسه، ليس من الضروري أن نجعل رأي الوالد هو الحاسم والحاكم، فكثير من الشباب والفتيات قد لا ترضى عنهم أمهاتهم ولا يرضى عنهم الآباء، لكنّهم ناجحون في محيطهم وفي دراستهم وفي أعمالهم، وهذا هو المهم، أن يكون النجاح في الخارج، فنجاح الفتاة في الخارج يجلب لها الخُطّاب، ونجاح الشاب في الخارج يجعله مرغوبًا عند كل البيوت وعند كل الأسر، ويستطيع أن يُثبت وجوده، طالما علمنا أن الوالد لا يُعجبه شيء فلماذا نتأثر برأيه؟

أنا مرة أخرى أؤكد أن الوضع ليس سهلاً، لكن أنتم تحمّلوا أنفسكم، والوالد يقول هذا، وهذا جزء من طبعه، وأنتم تتألمون ليلاً ونهارًا، هذا بلا شك يضرُّكم ويُؤثّر عليكم، فأرجو أن تأخذ المسألة حجمها، وإذا عرفنا الوالد هذا طبع له، فعلينا أن نُداريه، ونتعامل معه، ونحتمل، ونصبر عليه، ونحتسب الأجر عند الله تبارك وتعالى.

هذا، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً