الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل حالتي تدل على الاكتئاب أم الوسواس؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب عمري 19 سنة، أدرس في كلية العلاج الطبيعي منذ خمسة أشهر، أعاني من الوسواس والأوهام، أشعر مثلا أني لا أستطيع التنفس، أو أنه لا يوجد أكسجين في الجو، وكنت أفسر الأمور تفسيرا مغلوطا، مثلا أني سوف أبتلع لساني لو تكلمت، أو إذا لعبت الكرة سوف أصاب، وأصبحت في حالة قلق دائم.

ذهبت إلى طبيب نفسي، ووصف لي الاميبريد 50 ملل، والباروكسيتين 25 ملل، وجلسات علاج سلوكي، و-بفضل الله- تعافيت بنسبة 70 بالمئة، وأصبحت أمارس حياتي بشكل طبيعي، وأمارس الرياضة، ولكن الأعراض تعود أحيانًا عندما أكون وحدي، فأحس أني سوف أموت، وإذا اقتربت مناسبة، أقول: سوف أموت قبلها، ولاحظت أن هذه الأعراض تعود عندما أمارس العادة السرية.

والدي رجل متدين رأى لي رؤيا، وهي أني أعطيه سمكا، فهل هذا يدل على أن مستقبلي جيد؟ أريد أن أعرف هل الاكتئاب سبب لي الوسواس أم العكس؟ وما العلاج المناسب؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب.

الأفكار التي تنتابك قطعًا هي أفكار وسواسية قهرية، فهي متسلطة، وهي سخيفة، ومستحوذة أيضًا، ويصعب مقاومتها، أو إذا قاومها الإنسان يحس بشيء من القلق والتوتر، لكن ستظل المقاومة هي العلاج الرئيس.

أنت -والحمد لله تعالى- مستكفٍ تمامًا من العلاج الدوائي، وقد أحسن الطبيب أن وصف لك الباروكستين، ويظهر أنه الباروكستين CR، لأن الجرعة خمسة وعشرون مليجرامًا، وهي جرعة علاجية صحيحة، فأرجو أن تستمر عليها، والـ (إيمبريد) وهو الـ (سولبرايد) يُعتبر علاجًا إضافيًا أو علاجًا مساعدًا، هذا من ناحية العلاجات الدوائية.

وحتى تصل لدرجة التعافي الكامل -إن شاء الله تعالى- يجب أن تُطبق علاجات نفسية سلوكية. هناك علاجات بسيطة جدًّا تُسمى بالعلاجات السلوكية المعرفية، ويمكنك أن تُطبقها وحدك، اجلس في مكان هادئ جدًّا، مثلاً داخل الغرفة، ثم قم بما نسميه بالتحليل للأفكار الوسواسية، وذلك بأن تقوم بكتابة هذه الأفكار في ورقة، وتكون الفكرة الأولى هي الفكرة الأضعف، ثم تكتب الفكرة التي تليها، وهكذا حتى تصل إلى أشد وأقوى هذه الأفكار.

بعد ذلك تُطبق ثلاثة تمارين:
التمرين الأول يُسمَّى بـ (إيقاف الفكرة) وتبدأ طبعًا تطبق هذا التمرين على الفكرة الأولى، وهي الأضعف، وتُخاطبها قائلاً: (قفي، قفي، قفي، أنتِ فكرة سخيفة، أنا لن أهتمّ بك أبدًا) وتُكرر ذلك لمدة دقيقتين، وهذا التمرين يتطلب الجلوس في مكانٍ هادئ والتأمُّل والتدبُّر، وأن يُؤخذ الأمر بجدية.

وبعد أن تنتهي من تطبيق هذا التمرين الأول (إيقاف الفكرة) تبدأ مباشرة في التمرين الثاني، ويتكون من استجلاب الفكرة - حتى وإن كان على مستوى بسيط - ثم بعد ذلك تطبق عليه هذا التمرين (صرف الانتباه). صرف الانتباه يعني بأن تصرف انتباهك من الفكرة الوسواسية، بأن تأتي بفكرة أفضل منها وأنفع منها، وذات فائدة، وذات معنى عظيم. مثلاً: فكّر في كيفية تكوّن السُّحب، وما أعظم هذه السُّحب، وكيف أن الودق يخرجُ من خلالها، هذا التعبير القرآني العظيم، تدبّر - يا أخي - في كيفية تكوينها، وفي كيفية تحرُّكها، وفي كيفية هطول المطر، عمق تفكيرك وتأمُّلُك - بشرط أن تصل لدرجة عميقة من التأمُّل - هذا يُحدد نتائج العلاج، العلاج المُجدي والفاعل، والذي تُطبق فيه هذا التمرين بعمق.

بعد ذلك تنتقل إلى التمرين الأخير والذي نسميه بـ (التنفير) وهو: أن تربط الفكرة الوسواسية بشيءٍ منفّر، وأفضل المنفّرات هو إيقاع الألم على نفسك، بأن تقوم مثلاً بالضرب على يدك بشدة وقوة حتى تحس بالألم، وفي نفس الوقت تأتي بالفكرة الوسواسية، الربط ما بينهما يُضعف الوسواس. تُكرر هذا عشرين مرة بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء، وحتى تجني الفائدة القصوى لهذه التمارين السلوكية والتي تقوم على دراسات علمية كثيرة، وهي مجربة، وتقوم على الدليل العلمي المنضبط - كما ذكرتُ لك - فأرجو أن تحرص على تطبيقها بصورة ممتازة، وأهم شيء تبدأ بالتحليل الوسواسي (هكذا نسميه) وهو أن تكتب كل الوساوس التي تعاني منها في ورقة، وتبدأ بأضعفها، وتنتهي بأشدّها، وتُطبق التمارين كلها عليها.

وبالنسبة للعلاج الدوائي: أرجو أن تستمر على الباروكستين CR هو أيضًا علاج رائع جدًّا لعلاج الوساوس القهرية.

وعلى الجانب الاجتماعي: لا بد أن تُحسن إدارة الوقت، لا تترك مجالاً للفراغ أبدًا، ودائمًا كن في جانب اليقظة الفكرية، بأن تجعل الأفكار الطيبة والأفكار الجيدة والأفكار المفيدة في أعلى درجات تفكيرك، لأن هذا سوف ينحدر بالوسواس ويجعله في الدرجات السفلى من التفكير ممّا يُضعفه تمامًا.

طبعًا ملاحظتك حول العادة السرية هي ملاحظة عملية، إذًا العادة السرية ما دامت هي أحد المثيرات للمخاوف وللوساوس فيجب أن تتوقف عنها، لأنها بالفعل تُثير القلق الداخلي لدى الكثير من الناس، ممَّا يترتب على ذلك أعراض نفسية كثيرة، وذلك بجانب أنها مُنقصة للدين، وأنها مُهينة للنفس، ولها تبعات سلبية جدًّا، ومن ذلك أنها قد تُضعف الرغبة الجنسية والضعف الجنسي والمعاشرة الزوجية مستقبلاً.

هذا الذي أود أن أنصحك به، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً