الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعجب بالرجال وأحاول جذب انتباههم، فهل أنا مريضة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكركم جزيل الشكر على كل ما تطرحونه على المنتدى، لطالما كان ملجئي عند كل حيرة تنتابني.

أنا طالبة جامعية عمري 21 سنة، مشكلتي كلما رأيت شابا وأعجبني أحاول لفت انتباهه بطريقة غير مباشرة، من خلال رفع صوتي عندما أحكي مع صديقاتي أمامه، صوت ضحكاتي وتغيير نبرة صوتي، سعادتي كبيرة لو التفتوا لي واعجبوا بي.

أفعل هذا بشكل لا إرادي كلما رأيت رجلا يعجبني، وبعد ثوان أشعر بالندم الشديد وأستغفر وأدعو الله أن يعافيني من هذه التصرفات، لكن يتكرر الأمر، كما أشعر بالسعادة لما أعرف أن فلانا معجب بي ومدحني.

أنا ضد العلاقات غير الشرعية، لكن أحس أني متعطشة لإعجاب الرجال بي، لا أريد أن يغضب علي الله، ويسخط علي، لكني عندما أقوم بالفعل أحس أني مغيبة عن الوعي، لا أستطيع التحكم في نفسي إلا بعد لحظات أدرك ما قمت به وأندم، وأخاف من عذاب الله.

عند النوم، وكلما جلست وحدي أتخيل أن فلانا معجب بي أو خطبني، أو أني متزوجة من شخص يحبني، وأتخيل سيناريو حياتي معه، أرجوكم أريد المساعدة، لقد أتعبني الأمر، لا أريد أن أعيش في أوهام، كيف أتخطى الأمر، وأتوقف عن التخيلات ومحاولات لفت انتباه الرجال، فأنا مبتلية بهذه العادة منذ كان عمري 8 سنوات، علما أني مهتمة جدا بدراستي وطموحة، وأحب النجاح.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم لتواصلكم معنا وثقتكم بموقعنا.

أعجبنا ختام استشارتك عندما ذكرت بأنك طموحة وتحبين النجاح، ومن شأن هذه الهمة العالية أن تترقى بك في مدارج النجاح والكمال -إن شاء الله-.

ما تفضلت بذكره من إعجابك بالرجال؛ هذا أمر فطري وطبيعي بين الذكر والأنثى، فميل كل واحد منهما للآخر غريزة فطرية ركبها الله في بني آدم للحفاظ على الجنس البشري بالزواج، ولكن حتى ذلك الحين -أي وقت الزواج- شرع الله عز وجل لكل من المسلم والمسلمة أحكاما تخص الاختلاط والنظر، فأمر كلا منهما بغض البصر، أي بعدم التمعن والتطلع في الطرف الآخر حتى لا يحصل مثل هذا الانجذاب قبل وقته المحدد له بالزواج، يقول الله تعالى: ﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِینَ یَغُضُّوا۟ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِمۡ وَیَحۡفَظُوا۟ فُرُوجَهُمۡۚ ذَ ٰ⁠لِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا یَصۡنَعُونَ﴾ [النور ٣٠]. وقال في حق النساء: ﴿وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَـٰتِ یَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِنَّ وَیَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا یُبۡدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡیَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُیُوبِهِنَّۖ وَلَا یُبۡدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ ءَابَاۤءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ أَبۡنَاۤءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَ ٰ⁠نِهِنَّ أَوۡ بَنِیۤ إِخۡوَ ٰ⁠نِهِنَّ أَوۡ بَنِیۤ أَخَوَ ٰ⁠تِهِنَّ أَوۡ نِسَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِینَ غَیۡرِ أُو۟لِی ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یَظۡهَرُوا۟ عَلَىٰ عَوۡرَ ٰ⁠تِ ٱلنِّسَاۤءِۖ وَلَا یَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِیُعۡلَمَ مَا یُخۡفِینَ مِن زِینَتِهِنَّۚ وَتُوبُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ جَمِیعًا أَیُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾ [النور ٣١].

وهناك فرق بين (يغضوا أبصارهم) و (يغضوا من أبصارهم) فورود (من) أفادت التبعيض، أي يغضوا بعض أبصارهم، فلو أمر بغض كامل البصر لشق ذلك على الناس ولتعطلت مصالحهم، ولذلك فالبصر محكوم بالنية، فإن كانت مجرد نظرة عابرة فمعفو عنها، أما إن كانت تحمل تطلعا للشهوة فهي النظرة التي أمر الله عز وجل بغضها والبعد عنها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كُتب على ابن آدم نَصِيبُه من الزِنا مُدْرِكُ ذلك لا مَحَالة: العينان زِناهما النَظر، والأُذنان زِناهما الاستماع، واللسان زِناه الكلام، واليَدُ زِناها البَطْش، والرِّجل زِناها الخُطَا، والقلب يَهْوَى ويتمنى، ويُصَدِّق ذلك الفَرْج أو يُكذِّبُه». متفق عليه.

ومعصية النظر في مثل هذه الحالة هي من صغائر الذنوب لا من كبائرها، ومن اللمم الذي يغفره الله عز وجل - ف عنْ أبي هريرة-رضي الله عنه- أنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: إذَا تَوضَّأَ الْعبْدُ الْمُسْلِم، أَو الْمُؤْمِنُ فغَسلَ وجْههُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خطِيئةٍ نظر إِلَيْهَا بعينهِ مَعَ الْماءِ، أوْ مَعَ آخِر قَطْرِ الْماءِ، فَإِذَا غَسَل يديهِ خَرج مِنْ يديْهِ كُلُّ خَطِيْئَةٍ كانَ بطشتْهَا يداهُ مَعَ الْمَاءِ أَو مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْماءِ، فَإِذَا غسلَ رِجليْهِ خَرجَتْ كُلُّ خَطِيْئَةٍ مشَتْها رِجْلاُه مَعَ الْماءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يخْرُج نقِياً مِنَ الذُّنُوبِ رواه مسلم.

وهذا من فضل الله عز وخل على عباده، ولكن ينبغي الحذر من التساهل في الذنوب الصغيرة لأن كثرتها تهلك صاحبها.

أما بخصوص كيفية التصرف في مثل هذه الحالة فهذه بعض النصائح لعلها تفيدك:
- حاولي أن تبتعدي عن تجمعات الشباب، وأن تقتصري على تجمعات البنات.
- استمري في غض البصر، وإن حصل نظر فتذكري أن الله عز وجل مطلع على قلوب عباده.
- قد يبحث الإنسان عن التقدير من الآخرين بطرق شتى، منها إبداء الإعجاب به ومدحه، وهذه حاجة من الحاجات الإنسانية التي يحتاجها الناس، ولكن إذا درب نفسه على عدم الاكتراث بمدح الناس وذمهم فسوف يساعده على تجاوز هذه المشكلة، وبالتالي لن يعود بحاجة لافتعال حركات أو أساليب معينة يلفت بها نظر الآخرين.
- افزعي للذكر والصلاة، والصبر على هذا الابتلاء، فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً