الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أعود للالتزام بالعبادة كما كنت سابقا؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أرجو أن ترشدوني للصواب، وأن تدعوا لي بالهداية، أنا فتاة كنت ملتزمة جداً بالصلاة والسنن والأذكار وقراءة القرآن، حتى أني كنت أستيقظ من غير منبه لقيام الليل، كنت أشعر بلذة للطاعة، أما الآن للأسف منذ 4 سنوات بدأ حالي يتغير شيئا فشيئا، قصرت بالسنن والأذكار إلى أن أصبحت ثقيلة علي، والآن -للأسف- أضيع بعض الصلوات، والله إن قلبي حزين، وكل يوم أصلي الفجر وأعاهد نفسي على العودة، لكن يأتي اليوم ولا أتغير، فما نصيحتكم؟ أخشى أن أموت وأنا على هذا الحال، وخاصة أن الله نجاني من الموت منذ شهرين، لا أعلم كيف أرجع إلى ربي، أخشى عذابه، أشتاق للذة العبادة، فكيف أعود؟ وأنا علي قضاء الكثير من الصلوات، كيف أقضيها؟

أخشى على نفسي من أن يستدرجني الشيطان أكثر وأكثر، أريد أن أعود، ما نصيحتكم -بارك الله فيكم-؟ وما نصيحتكم أيضا لقضاء الدين والبركة بالمال؟ نعاني من ضائقة مادية صعبة، وديون كثيرة.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم لتواصلكم معنا، وثقتكم بموقعنا.

من الحكم المأثورة عن السلف قولهم:"من عرف غرف" أي من عرف لذة شيء فإنه يزداد منه؛ تماما كما حصل معك عندما تلذذت بالطاعة وقيام الليل ثم انقطعت عن ذلك، وأنت الآن تشعرين بالحزن والأسى على ذلك، يمكن في هذا السياق أن نستعرض بعضا من الأفكار التي قد تضيء لك الطريق بإذن الله:

1- لا بد من التفريق بين مراتب العبادات، فالفرض أحب إلى الله تعالى وأفضل من النفل بنص الحديث الشريف في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري، وأنت ما زلت تحافظين على الفرائض، وهذا خير كبير، فلا داعي لجلد ذاتك كثيرا، نعم، يحزن المرء لفوات الأرباح الإضافية، لكن طالما بقي له رأس المال فهو في أمان -إن شاء الله-.

2- تنوع العبادات هو الأصل، بمعنى أن الإنسان قد يجتهد مرة في الصلاة ومرة في الصيام، وتارة في الدعوة إلى الله تعالى، وتارة في نفع الآخرين وخدمتهم، فقد يقصر في هذا المندوب ولكنه يعمل مندوبا آخر مكانه، أما الفرائض فإنه مستمر في المحافظة عليها، لذلك جعل الله تعالى مواسم للعبادات، ونوع فيها حتى لا يمل الناس من لون واحد من ألوان العبادات، خلاصة هذه النقطة: يمكنك ملء فراغ صلاة الليل بعمل صالح من نوع آخر.

3- الأعمال الصالحة على مراتب، فمنها الأعمال اللازمة كالصلاة والمتعدية كالصدقة، فالصلاة مفيدة لشخصك لكنها لا تنفع الآخرين بشكل مباشر، بينما ينتفعون من المال الذي تتصدقين به عليهم، فأجر العمل المتعدي أعظم من أجر العمل اللازم، خلاصة هذه الفقرة: يمكنك الاستثمار في الأعمال المتعدية وحصد حسنات مضاعفة!
والعمل المتعدي لا يقتصر على المال، بل مجرد توجيه نصيحة، أو إصلاح ذات البين، أو تربية الأطفال كلها أعمال متعدية لها أجور كبيرة بقدر النية والإخلاص فيها.

4- لا بأس بوضع جدول لإعادة التنشيط بخصوص النوافل في الصلوات وقراءة القرآن والأذكار، فيمكنك الرجوع تدريجيا بأداء بعض النوافل القبلية والبعدية للصلوات، وكذلك المحافظة على صلاة الوتر ثلاث ركعات ليلا، يمكن أن تضيفي لها ركعتين بعد فترة، ثم ركعتين بعد فترة أخرى، إلى أن تعودي لسابق عهدك، وبخصوص الأذكار، من المهم المحافظة على أذكار الصباح والمساء ولو بالحد الأدنى قراءة دعاء أو دعائين مثلا، ويمكنك اغتنام مواسم الطاعات كرمضان وعشر ذي الحجة وعاشوراء ويوم الجمعة لزيادة الدافعية في أداء هذه العبادات.

5- يمكنك القراءة في شرح الأسماء الحسنى، أو مطالعة البرامج الوثائقية التي تتحدث عن خلق السموات والأرض والتفكر في آيات الله الكونية، مما يزيد الإيمان عندك-إن شاء الله-.

أما بخصوص قضاء الدين؛ فليس هناك دعاء مخصص لذلك، وإن كان قد ورد في بعض الأحاديث ما يشير إلى شيء من هذا، فقد روى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة؛ ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي، وقضي عني ديني.

وروى الترمذي وحسنه، عن أبي وائل عن علي رضي الله عنه: أن مكاتبا جاءه فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعني. قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل صبر دينا أداه الله عنك؟ قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك، ولكن يمكن الدعاء بقضاء الدين بشكل عام، ولا يقتصر الأمر على ما ورد في الحديثين السابقين.

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً