الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لماذا يروج للرجولة بالعنف والتنمر؟

السؤال

السلام عليكم.

لماذا يرى بعض الناس أن الرجولة بالشجار والتنمر على الناس وحمل السكين؟ كما تروج له بعض المسلسلات، كأنهم يريدون القول أن هذا ما تعنيه الرجولة، وبهذا أصبح الناس في زماننا يعتدون على الناس بالأسلحة البيضاء، ويقومون بشتى أنواع التنمر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وليد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل، وأخانا لكريم- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا جميعًا لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو، وأن يصرف عنّا وعنك سيء الأعمال والأخلاق، فإنه لا يصرف سيئها إلَّا هو.

لا شك أن للمسلسلات تأثيرا سلبيا، ويُؤسفنا أن يتربّى الناس على ثقافة المسلسلات وليس على الثقافة الشرعية، والشريعة تُصحح المفاهيم، فتجعل الشديد ليس الذي يصرع الناس، ولكن الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب، وأن الذي يقهر نفسه أعظم من الذي يفتح مدينة، وأن الرجولة الحقة هي في الطاعة لله تبارك وتعالى، ومصطلح الرجال لو عُدنا إلى القرآن نجد فيه {رجالٌ لا تُلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله}، {فيه رجال يحبون أن يتطهروا}، {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}، {وجاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى}.

فالرجولة الحقة هي الطاعة لله تبارك وتعالى، ثم الالتزام بما تقتضيه المروءة والشهامة والشجاعة، وعدم العدوان على الآخرين، فمن الشجاعة أن يكون الإنسان مُنصفًا لنفسه وللآخرين، من الشجاعة أن يقف الإنسان عند حدود الله تبارك وتعالى.

وفهم الناس للرجولة طبعًا لا شك أن فيه خللا كبيرا، ولذلك نحن نتمنّى ألّا ينساق الإنسان أمام هذه المفاهيم، وأن يُبيّن لهم أن الرجل الحق هو الذي يملك نفسه، وهو الذي يتصرف كما يتصرف الرجال، وأن الذين يتنمّرون على الآخرين أو يُبارزوهم بالعدوان أو يعتدون عليهم - بحمل السكين أو نحوه كما أشرتَ - كلُّ ذلك دليل على الجهل، بل هو دليلٌ على التهور، بل هو دليل على مركّب النقص، ويظن أنه سيكمل ما عنده من نقص بأن يفعل مثل هذه الأعمال، وطبعًا هذا سبيلٌ لا يُرضي الله تبارك وتعالى، ونتمنّى من العقلاء من أمثالك أن يعكسوا النموذج الآخر، الإنسان المؤدب، الذي يتذكّر أن الله ناظرٌ إليه، وأن الله يحاسبه على مثل هذه الأعمال.

أمَّا مسألة التنمُّر فالذي يقوم بها فعلاً يحتاج إلى علاج أولاً، كما أن الذي يعتدي عليه يحتاج إلى علاج وإلى رعاية، ولكن نحن ينبغي أن نُصحح المفاهيم، فنعتبر المتنمّر أيضًا ضحية، ضحية لسوء التربية، ضحية للمفاهيم المغلوطة، وضحية لثقافة القشور، الثقافة التي لا تقوم على قواعد الشرع الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

والذي يُشاجر الناس ويعتدي عليهم لا يمكن أن يكون هو الرجل، أو لا يمكن أن تكون هذه هي الرجولة التي هي الصفة الجميلة، فالرجولة تظهر عند المواقف، وتظهر عند الحروب، وتظهر عند الغيرة على الأعراض، وتظهر عند الإنصاف، أن ينصف الإنسان الآخرين.

فالرجولة شجاعة، والرجولة حلم، والرجولة عفو، والرجولة سماحة، والرجولة دفاع عن الحق وعن الضعفاء، والرجولة تحمُّل للمسؤولية، وليس من الرجولة في شيء أن يعتدي الإنسان على الآخرين، لأن في يده سلاحا والآخر لا يملك، أو لأنه أضخم جسمًا أو أطول منه، هذه مفاهيم ينبغي ألَّا ننساق معها، وعلينا أن ننشر الوعي الشرعي، وننشر الثقافة الصحيحة.

هذه المسلسلات حطمت الأخلاق في البيوت وفي الشوارع وفي الحي وفي كل منطقة سكنية، وأصبحت البلطجة ديدن الذين لا خلاق لهم ولا دين، يرهبون الناس بأفعالهم هذه، لأنهم تعلموا الأخلاق السيئة من تلك المسلسلات وغيرها من جانب، ولأنهم أَمنوا العقوبة من جانب آخر، فينبغي محاولة تغيير تلك المفاهيم وتلك الأخلاق، وبلا شك هذه مسؤولية المتعلمين والفضلاء من أمثالك، ومسؤوليتنا جميعًا.

ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً