الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرجو مساعدتي فكثرة التفكير بالعمل سببت لي عدة أعراض نفسية وجسدية.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله بركاته.

مشكلتي هي أنني تخرجت من جامعتي كمهندسة وبمعدل عالي ولله الحمد.
حصلت على وظيفتي بعد تخرجي بخمسة أشهر في شركة مرموقة، فخلال أول شهر كان الجميع غير متعاون معي بحكم أنني صغيرة السن، وحديثة تخرج إلى حد ما، وجميعهم خبراتهم تعادل 20 سنة وفوق.

لم أشعر بالراحة أبدا في مجال العمل، واجهت الصعوبات لدرجة شعرت بأنني لست ذكية كما يقال لي، وحتى بدأت أشعر بأن درجاتي الجامعية لا قيمة لها، ولا أريد التخرج، وصلت إلى مرحلة كنت أدعو فيها ربي بأن يأخذني ولا أشعر بالغباء، قسمي غير ممتع، ولم أحبه، وفيه طاقة سلبية، واختلاط، ويجب العمل خارج المكتب أيضا ويحكمون على بعضهم ويدورون الزلات.

أريد العمل في أي قسم آخر، ولكن يقال لي لماذا درستِي 5 سنوات إن كنت لا تريدينه، ولكن لا أحد يعلم بأنني دخلته بدون تخطيط بل باختيار أهلي، علما بأنني كمهندسة يمكنني حتى العمل في الإدارة والتنظيم، ولست محصورة في مجال دراستي فقط، ولكن يقال إن قسمي هو جوهر تخصصي، ولكنني مترددة بالبقاء فيه بسبب كلامهم أنه لا تخاطري بالانتقال.

الهندسة متشعبة، من بداية عملي وأنا لا أشعر أنني بخير، ولكنني لا أريد تركه؛ لأنها فرصة لا تتكرر، وفي نفس الوقت لا أريد الشعور بأنني ميتة وكئيبة، ووقفت حياتي كلها عليه، صليت استخارة أكثر من مرة لتغيير القسم ولكنني لم أشعر بشيء، ما زالوا لا يريدونني أن أرى الأقسام الأخرى، وهم من اختاروا لي قسمي.

لا أعرف من أستشير؛ لأن أهلي قالوا لي: ربما لأنك ضعيفة وحساسة، ولكن لم أستطع إخبارهم أنني لا أحب مجالي أبدا، فهل المهندس الإداري أمر سيئ، أم يجب أن يعمل فقط في مجاله ليكون ناجحا؟ أنا فقط خائفة من آراء الزملاء، أخشى أن يقولوا إنها هربت من تخصصها لأنها ليست جيدة، وذهبت لقسم آخر.

كان حلمي أكون مهندسة ناجحة، وأن أشعر بقيمتي بعد التخرج، لا أريد تمني الموت، ولا أريد لخبطة الأفكار، قد وصلت إلى مرحلة أفكر فيها بالاستقالة، والجلوس في البيت، ولكن ماذا سأفعل لكسب عيشي بعد ذلك؟

أرجو المساعدة، فكثرة التفكير أصابتني بآلام في البطن، والاكتئاب، وتساقط في الشعر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Sarah حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك في عمرك، وأن يعينك، وأن يسدد خطاك، وأن يرزقك الراحة والاطمئنان.

أختنا الفاضلة: تخرجت في كلية الهندسة وبمعدل عال، ولم تكن رغبتك المفضلة، ثم تتحدثين عن فقدان الثقة في ذكائك، هذا أمر عجيب منك أختنا، بل قد متعك الله بذلك، ولا أدل عليه من تخرجك في هذا السن بهذا المعدل ووظيفتك في شركة مرموقة كما تفضلت مع أناس ذوي خبرة عالية، هذا كله يدل على تفوقك، فلا تسمحي للمعوقات أن تثبطك، ولا تسمحي للشيطان أن يحبطك.

ثانيا: لسنا أختنا في المدينة الفاضلة، والدنيا ليست دارا لها، ومن الطبيعي لفتاة صغيرة السن تعمل في شركة كبيرة مع أناس ذوي خبرة طويلة ألا تجد الراحة الطبيعية التي تريدها على الأقل في السنوات الأولى، وهذا هو الاختبار العملي الحقيقي لك أختنا الكريمة.

ثالثا: الاخلاق الحميدة أو السيئة لا تعرف قسما دون قسم، فلا تظني أن تلك النميمة والغيبة والأخلاق غير الحميدة تجدينها فقط في هذا القسم، أبدا أختنا، هي ترحل مع صاحبها حيث كان، وطبيعة الإنسان أنه يرى الأخطاء التي يعايشها دون غيرها.

رابعا: الدنيا أختنا دار ابتلاء، ليس هناك منعم فيها من كل وجه، وليس هناك مبتلى فيها من كل طريق، بل طبيعتها قائمة على التنوع، هناك من يشكو مر الشكوى من مرض نزل به ولم يجد علاجا له أو لم يجد قيمة العلاج ماديا، وهناك من يعاني أشد المعاناة من تخرجه بمعدل كبير ومنذ سنوات لا يجد عملا، وهناك وهناك وهناك، وتلك طبيعة الحياة، والله عز وجل قال : "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" وبالنظر إلى ما أنت فيه وغيرك، نجدك في عافية أختنا، لكن نحتاج إلى هدوء كما نحتاج إلى إيمان بالقضاء والقدر، وحسن تعامل مع الواقع.

خامسا: إننا دائما نوصي بأن يعمل المرء ما يحب، لكن حين يكون في وظيفة وأصبحت واقعا عليه، فإننا نقول له: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون، وكثير من الناس دخلوا في عمل على غير هواهم ثم أحبوه وأصبحوا فيه علامة واضحة.

سادسا: كلام الناس لا يجب أن يكون معيارا تستمدين منه الصواب والخطأ، ونحن ننصحك بعد قراءة ما مضى بالجلوس مع الأهل وتبيان حقيقة عدم محبتك للقسم، ورغبتك في الانتقال إلى قسم آخر، مع وضع الإيجابيات والسلبيات في ورقتين منفصلتين، ثم الاستخارة بعد الاستشارة، فإن انتقلت فالحمد لله، وإن بقيت في مكانك فلعله الخير وأنت لا تعلمي، فاحمدي الله كذلك وابدئي في التعايش مع عملك، وتفهم طبيعة ما فيه، مع تضخيم الإيجابيات الموجودة وتفهم السلبيات التي لا تقتصر على قسمك أو علمك.

أخيرا: أختنا قد ذكرت عرضا كلمة (الاختلاط) وهو أمر لا ينبغي تجاهله، فمن المعلوم أن الحظر هو الأصل في اختلاط النساء بالرجال، وأن الجواز فقط للضرورة الشرعية ووفق ضوابط شرعية، فانظري في الأمر بارك الله فيك، واجتهدي أن تقيمي شرع الله وأن تتأدبي بآدابه، نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً