الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالنقص الشديد جراء انتقاد أمي وإخواني لي.. ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 13عامًا، منذ كنت طفلة إلى الآن وأنا لا يسمح لي بالخروج من البيت، مما أثر علي كثيرًا، وجعلني لا أستطيع التواصل مع الناس، لا أعرف كيف أشتري من الدكان، أو التحدث مع معلمتي في المدرسة، وصديقة واحدة يبدو أنها لم تعد صديقتي الآن، ووالداي يتشاجران كل يوم مما يصل إلى الضرب والشتم، وإدخالنا في هذه المعارك، وإجبارنا على الوقوف كأحزاب ضد بعضنا، وهذا جعلني أعيش كما لو أنني وحدي أتخيل التحدث، ولا أحدثهم ولا أحد يحدثني إلا نادرًا.

كنت أمسك نفسي إلى أن بدأ الحجر الصحي، استمر سنتين في الأردن، بقيت بالطبع في المنزل كل هذه المدة، ولم نخرج إلا كل 6 شهور وقد لا أخرج معهم، وصل بي الحال إلى النوم 20 ساعة، أنام النهار وأستيقظ في الليل في حالة من الاكتئاب وأتابع الأنمي- والذي علمت حرمته من موقعكم، وتبت عنه الحمد الله- ومع هذا الوضع لم أر الشمس لمدة أسبوعين.

أمي لا تطبخ، وتشتري من الخارج، ولكن ليس لي شهية، كل يوم أو يومين آكل اندومي، وأكتفي بشرب ماءه بدلاً من الماء الطبيعي، أصبحت بشرتي كالموتى من الشحوب -مثلما وصفتني أمي- وحتى أنها أخبرتني أنها قد ترسلني للمستشفى إذا لم أتحسن، لكنها نسيت أمري بعد عدة دقائق، وعايرتني ببنت خالي، وقالت إنني لست جميلة وغير مميزة، وندمت على إنجاب البنات.

لا أحد من إخوتي يعاملني جيدًا، فهم يعاملونني كالخادمة، أخواتي الصغيرات ينفرن مني حينما أدخل للغرفة، فيخرجن فور دخولي، أبي شبه لا أراه، أشعر أنني منبوذة، وكل ما أفعله هو التخيل، أشعر بالضيق من بيتنا؛ لأنه صغير جدًا، وعددنا 9.

أمي لا تصلي، وتستمع للأغاني كل الوقت، وأشعر أنني أرتكب الكثير من المعاصي، لكنني لا أعرف ما هي، فأنا لا أفعل شيئًا، جعلتني أمي أكره الزواج، وأكره كوني أنثى منذ الصغر، وتشعرني أن حياتي مبنية على التنظيف والطبخ والزواج، وعندما قلت إنني أرغب بالسفر سخر إخوتي مني بأنه حرام، وعندما علمت الحكم من موقعكم أخبرتهم أنه يفترض أن يأتي معي أحد فقط، لكنهم هموا بالسخرية وأن لا أحد منهم لديه الوقت ليأتي معي أساسًا.

إخوتي يتشاجرون كل يوم مع بعضهم، ولا أشعر بالثقة، أشعر بأنني أقل من الناس، كلما رأيت زملائي أهرب عنهم لشعوري بأنني لست في مستواهم، علاماتي عالية لكن أمي مصرة أنني فاشلة دراسيًا، أشعر بالنقص الشديد، ليس لدي ذكريات قديمة كطفلة، والآن قد أصبحت بالغة لكنني لم أشعر يومًا بالطفولة، ماذا أفعل؟

آسفة جدًا على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هداية حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونحن على ثقة أن المتفوقة في دراستها والتي تمكنت من كتابة هذا الكلام المركز قادرة بإذن الله على تجاوز هذه الصعوبات، قطعاً الوضع في البيت مزعج، ولكن هذا لا يعني أن هذا هو نهاية المطاف، فالإنسان يمكن بالاستعانة بالله تبارك وتعالى، واستخدام الوقت والدخول للمواقع المفيدة واكتساب الخبرات الجيدة، تجاوز هذه الصعوبات التي في داخل البيت، إذا كانت الوالدة تصفك بالفاشلة، لكنك في الحياة ناجحة، فالعبرة بالنجاح الموجود في الحياة، وأرجو أن يكون كلام الوالدة فيه حافزٌ لمزيد من الاجتهاد، والحرص على الدراسة، والتواصل مع المعلمات الصالحات، فهن بديل ومكان الأمهات الصالحات، بل المعلمة الصالحة قد تكون أفيد للفتاة حتى من والديها؛ لأن الوالد والوالدة قد يوفرون لأبنائهم الطعام والشراب، لكن المعلمة توفر الهداية، وتدل الطالبة على الطريق الذي يرضي الله تبارك وتعالى.

فإن كان في البيت تقصير معك في التواصل، فاجعلي تواصلك مع المعلمات الصالحات، واستفيدي من خبراتهن وتوجيهاتهن، من المهم جداً أن لا تحاولي حجر نفسك وحجزها في مكان معين أو الالتزام بأكل أي طعام معين كالذي ذكرته خاصة الأندومي، وكالأطعمة قليلة الفائدة، وأنت تصرين على أن تأكلي هذا الطعام! وأنت أحياناً تعاندين، فلا تعاندي نفسك، ولا تلوميها ولا تجلدي ذاتك، ولا تحاولي أن تحاصري نفسك في طعامها أو شرابها.

واعلمي أن الهروب إلى النوم ليس حلا، ولكن ينبغي أن تلجئي إلى الله تبارك وتعالى وتكثري من ذكره وطاعته، وتواصلي مع موقعك وحاولي الدخول لقراءة البحوث والأشياء المفيدة، واكتساب الخبرات من خلال التواصل؛ لأنك عرفت الطريق يوم تواصلت مع موقعك، ونحن نرحب بك مراراً وتكراراً، ونتمنى أن تتغير الظروف داخل البيت، ولا تقفي طويلاً أمام سخرية الأشقاء داخل البيت، أو كلمات الوالدة التي ربما تقولها في لحظات إحباط، أو لحظات انزعاج، أو لحظات خلاف مع الوالد كل ذلك قطعاً يؤثر، لكن أنت ولله الحمد وصلت إلى عمر ونضج تستطيعين به أن تتجاوزي بإذن الله مثل هذه الصعاب مستعينة بالله تبارك وتعالى، فأكثري من الدعاء، واظبي على الصلاة، أشغلي نفسك بالذكر، اجتهدي في دراستك، حاولي التواصل مع المعلمات كما قلنا فهن أمهات.

حاولي أيضاً البحث عن صديقات صالحات من خلال بيئة المدرسة، ولا تصغري نفسك أو تحقريها أمامهم، فالإنسان ما ينبغي أن يحتقر ما عنده من قدرات ومواهب وملكات ويعظم ما عند الآخرين، كل إنسان فيه إيجابيات وله سلبيات، ومن النجاح أن يكتشف الإنسان نقاط القوة التي عنده، وهذا ما نختم به وندعوك إليه، أن تكتشفي نقاط القوة عندك فأنت -ولله الحمد- تكتبين وتفهمين بطريقة جيدة، والدليل هو هذه الاستشارة.

أنت -ولله الحمد- متفوقة في دراستك، وهذا معنى جميل، أنت ولله الحمد تتواصلين مع موقعك، وتدخلين الفتاوى وتعملين بما تجدينه من توجيهات شرعية، هذه ميزات كبرى غالية وعالية، فاحمدي الله عليها واشكري الله عليها لتنالي بشكرك من ربك المزيد.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً