الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصبر على أذى الوالدين

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أريد حلاً لمشكلتي مع أهلي.
أنا شاب عمري 26 عام، ومن صغري وأنا أشعر أن أهلي يعاملونني كأني لست ابنا لهم، وذلك من طريقة المعاملة المختلفة عن جميع إخواني، كان لدي أخ معاق توفي وهو في عمر 18 سنة، وكان يكبرني بـ 3 سنوات، طبعاً كان له معاملة خاصة من الكل في الحنان والسؤال عليه ويلقى كل الاهتمام من أهلي وحتى من أقاربي، ولم أكن أغضب من هذا الشيء لأنه أخي وأحبه، ولكن استمر الوضع بعد وفاته فبقي الحال على ما هو عليه لا أحد يهتم بي، وأصبحت أوصف بالمعقد؛ لأني لا أحب أزور أقاربي لأني أشعر بضيق عند رؤية أي منهم، حتى أهلي في المنزل، وحتى الآن أنا بالنسبة لهم عالة.

ذهبت للدراسة في الأردن في عام 2000 ولتقديري لأهلي وحالتهم المادية تركت الدراسة ورجعت لهم بعد سنة، وعندما علمت أن الديون أغرقتهم بسببي ضحيت بدراستي، وعملت من عام 2001 إلى 2005 في عملين، ولكني لم أرتح في أي منهم، والآن ظروفي العائلية غير مطمئنة، وتوقعت منهم أنهم يواسونني أو يخففون عني وأنا عاطل عن العمل، بالعكس تفاجأت في يوم من الأيام أن أبي واجهته مشكلة ليس لي أي شيء فيها، وصب جم غضبه علي وطالبني بترك المنزل، يعني الآن أنا في بيت أهلي مطرود حتى أني لا أجلس معهم وبالذات مع أبي، وأنا أعاني من اختلاف المعاملة بحيث أن أخواتي البنات يفعلون ما يريدون، ومع أني الكبير فيهم، أهلي طمسوا شخصيتي أمامهم حتى أن رأيي أصبح مهمشا وإذا دخلت بقوة تشتعل المشاكل بيني وبين والدتي، وهذا ليس بشيء جديد، لدرجة أن أخواتي لا يعروني أي اهتمام.

والآن أنا لا أريد العمل وأريد أن أكمل دراستي، وأمي قالتها لي بالحرف الواحد: (أنت إيه يعني بتمسكنا من يدنا اللي بتوجعنا ) وقالت لي: اذهب واطلب ثمن دراستك من عماتك، وأنا بطبعي لا أحب طلب أي شيء من أي أحد، والآن أفكر جديا في ترك المنزل، حتى أني وأنا أعمل طلبت منهم خطبة بنت ناس نعرفهم تصغرني ب 6 سنوات، ولكنهم لا يساعدونني حتى بمجرد الكلام لمصلحتي، والبنت الآن أصبحت متزوجة من عام، وبعدها اقتنعت بواحدة تكبرني ب 10 سنوات واستغربت عندما أمي وافقت لتذهب لتراها، ولكن عند عودتها للمنزل أعطتني الرفض، وأنا من ذاك اليوم أصبحت لا أطيق أهلي؛ لأني احترت معهم، والبنت التي تكبرني ب 10 سنوات والله العظيم أنها واقفة إلى جانبي بكل معنى الكلمة، علماً بأنها مطلقة ولديها بنت، ولكن اعتراض أمي كان بسبب لون بشرتها وكبر عمرها، وأمي متجنية يعني تعرف الحق، وأستغرب أنه مع البرامج الدينية تتفاعل وتقول: ليست مشكلة أكبر منك، وليست مشكلة اللون المهم الدين، ولما صار الواقع لدينا صار ما يصير، فقط كلام تليفزيون يعني هذه مشاكلي مع أهلي وأريد ردا منكم رجاء.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خ.ق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:


فنسأل الله العظيم أن يسهل أمرك وأن يغفر ذنبك، وأن يلهمك رشدك، وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

فإن المسلم يصبر على أذى والديه، رغبة في الأجر والثواب من الله، وإذا تذكر الإنسان لذة الثواب نسي ما يجد من آلام، وأنت تؤجر على نيتك الطيبة ومواقفك الجميلة، وحسبك أن الله يعلم كل شيء، ويجازي عن مثقال ذرة من الخير، فافعل الخير ولا تنتظر من أحدٍ جزاء ولا شكوراً، قال تعالى: (( رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا ))[الإسراء:25].
أما بالنسبة للمعاملة مع الأبناء، فإن شريعة الله تأمر الآباء والأمهات بالعدل بين الأبناء والبنات في كل صغيرة وكبيرة، حتى في النظرة والبسمة، ولكنك توافقني أن البنت قد تحتاج لمزيد عناية وعطف من أبويها ومن إخوانها وذلك لضعفها، والذكور هم حماتها وحراسها وهي شرفهم وعزهم، فإذا عدل الآباء في العطايا والهبات، وحاولوا استرضاء الجميع، فأرجوا أن تلتمس لهم العذر.

أما بالنسبة لشقيقك المعاق رحمه الله رحمة واسعة، فإنه من الطبيعي أن يحتاج إلى اهتمام وتعاطف، وأنت تشكر على حبك له، وسوف تؤجر بإذن الله، وقد سُألت المرأة الصالحة عن أحب أولادها، فقالت لهم: الصغير حتى يكبر، والمسافر حتى يعود، والمريض حتى يطيب، فالأخ المعاق كان مريضاً وضعيفاً فهو يستحق الرعاية والاهتمام.

وإذا لم يرتح الإنسان في العمل، فعليه أن يصبر حتى يجد البديل، ولا يجلس في المنزل عاطلاً، وأرجو أن يعلم الشباب أنه لا راحة للمؤمن حتى يلقى الله، وقد قال الإمام أحمد: (الراحة عند أول قدم يضعها المؤمن في الجنة)

فالدنيا دار التعب والعنت وهي سجن المؤمن، وقد أحسن الشاعر في قوله:
طبعت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام فوق طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار

فلا تكن مثل بعض الشباب الذين يريد الواحد وظيفة مفصلة على مقاسه جارية على مزاجه، ويزداد عجبك إذا علمت أن بعضهم يمكث سنوات بدون عمل؛ لأنه يطلب شيئاً معينا لا يريد غيره.

ونحن ننصحك بأن تحدد لنفسك أهدافا معينة، فلا تترك الدراسة ثم تعود إليها وتخطب فتاة، ثم تترك العمل، ثم تنتقل فجأة إلى أخرى؛ لأن هذه التصرفات تجلب التوتر لوالديك، خاصة إذا لم تراعِ في كل ذلك ظروف الأسرة، وليس من الصواب أن تترك بيتك وأهلك مهما كانت الأسباب، وأرجو أن تضع لوجهة نظر الوالدة اعتباراً، وحبذا لو وجدت زوجة ترضيها؛ لأن في ذلك عون لك على التوفيق بين رضا والدتك، والوفاء بحقوق زوجتك.

وأرجو أن تكون مطيعاً لوالديك، شفوقاً على أخواتك، حكيماً في نصحك أو إرشادك، مع ضرورة أن تكون قدوة للجميع بالتزامك وحرصك على الخير والطاعة.

وإذا أصلح الإنسان ما بينه وبين الله، أصلح الله له ما بينه وبين الناس، ورزقه البر لوالديه، وأعانه على كل خيرٍ، فاتق الله في نفسك، وحاول تغيير طريقتك ومواقفك، وانتظر أن تتغير المعاملات والأحوال.

والله ولي التوفيق والسداد!


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً