الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عند وقوع أي مشكلة زوجي لا يعتذر أبدًا حتى لو كان مخطئًا، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

متزوجة منذ 17 سنة من رجل محترم وملتزم، وأحبه ويحبني، وأحفظ عشرته دائمًا خوفًا من الوقوع في كفران العشير كما يدعي دوماً.

مشكلتي مع زوجي عند وقوع أي مشكلة سواءً كنت أنا المخطئة أو هو، أن زوجي لا يعتذر أبدًا، وأنا أرغب في اعتذاره عن أي خطأ، لكنه من المستحيل أن يلين لي ويطيب خاطري، ومنذ زواجنا وأنا من تبادر بالصلح، وأسعى جاهدة للحديث معه لتدارك الأسباب التي توقعنا في المشاكل، حتى لا نكررها كل فترة، وهو دائمًا لا يحب الحديث عن علاج المشاكل بيننا حتى في وقت الصفاء.

أشعر حاليًا أن طاقتي انتهت، فمهما أخطأ زوجي فأنا لا أريد منه غير الاحتواء، أو مراضاتي بكلمة واحدة، وهو لا يفعل ذلك أبدًا، حتى لو رآني في أسوأ حالاتي النفسية والصحية وقت المشكلة، لا يبادر بالصلح، بل سياسته تركي وحزني حتى يمر أسبوع أو أسبوعان، وعندما أصل لليأس من كثرة الخصام والإهمال، أطلب منه الحديث لننهي الخصام.

الآن فرغت جعبتي من كل المحاولات للحديث معه، وهو لا يبالي، بل على يقين أنني لو أطعت شيطاني بطلب الانفصال، سيستجيب دون تردد، ليس لأنه لا يحبني، بل كبره لا يسمح له بإظهار تمسكه بي، ولا أفضل إدخال الأهل في المشاكل حتى لا أصغر صورته، ولو فعلتها وأدخلت أحدًا من أهله سوف يثور ويغضب، لأنه لا يريد الظهور أمامهم بوضع سيئ، ولو طلبت منه زيارة أحد الاستشاريين النفسيين يغضب ويقول تريدين الذهاب وحدك فلا مشكلة، أنا لن أذهب.

دلوني ما العمل؟ لم أعد أحتمل، وهو بطبعه هذا يوشك أن يهدم البيت ولا يبالي.

شكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هويدا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا وبنتنا الفاضلة-، ونشكر لك حسن العرض للسؤال والاعتراف بفضائل الزوج، وأنه محترم وملتزم، وأنه يُحبّك وتُحبِّينه، وشكرًا لك على حفظ العشرة، والستر على زوجك، وحُسن التعامل معه، ونسأل الله أن يُعينك على الصبر، وأن يهديه لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

نحن طبعًا لا نُؤيّد إيقاف هذه الحياة الزوجية التي لا تخلو من جوانب التميُّز، ويبدو أن لحظات الصفاء بينكم كثيرة، وأنت أشرتِ إلى أنه يُحبّك وتُحبينه، وهذه قاعدة أساسية جدًّا في استقرار الحياة واستمرارها، بقي بعد ذلك أمران:

الأمر الأول: نتمنّى أن تفهمي أن الرجال يختلفون في طريقة اعتذارهم، نحن معاشر الرجال قد يُخطئ الرجل على زوجته ويظلمها ويكون هو المُخطئ، يعني بكل ما تحويه الكلمة، لكنه يخرجُ من البيت فيقول: (هل تريدين شيئًا؟ هل نام الصغير؟ هل انخفضت درجات الحرارة عند المريض؟ هل تحتاجون شيئًا؟ ما هو الغداء، سيكون بماذا عندكم؟)، هذه كلها اعتذارات، فالرجال دائمًا هكذا، وأنت تقولين هذا من الكبرياء، ولكن معظم الرجال هذا طبعهم، الواحد منهم يعتذر لكن بطريقة غير مباشرة.

وأعتقد أن عدم ميله للصلح قد يكون لسببين: السبب الأول هو تكرار غضبك منه في أمور كثيرة، لأن المسألة إذا كثرت بعد ذلك يُهملها الإنسان، أو قد يكون لوجود خلل عنده، وهذا الجانب لا نُسامح فيه الرجل، لأنك تقولين: (لا يقبل أن يرى نفسه معتذرًا)، يعني لك أو لغيرك من الأهل، لكن يمكن أن يعتذر في العمل.

على كل حال: نحن لا نريد أن نقف في مثل هذه الأمور طويلاً، فنحن لسنا في محكمة وتحقيقات، والاعتذار عند بعض الرجال يكون بالطريقة التي أشرنا إليها، وليس من مصلحة الزوجة أن تُجبر زوجها على اعتذار مكتوب أو منطوق تكسره به أمام الناس، أو تُحرجه به أمامهم، إذا كان لا يريد هذا، قطعًا هذا نقص، لكن الأمر يحتاج إلى ترتيب.

ونحب أن نؤكد أننا نحن كبشر رجالاً ونساءً النقص يُطاردُنا، وطوبى لمن تنغمر سيئاته القليلة في بحور حسناته الكثيرة.

عليه: أرجو أن تتكيفي مع الوضع أولاً: بتفادي الأمور التي تجلب الغضب والتوتر.
الأمر الثاني: بعدم إعطاء المشاكل والخصومات أكبر من حجمها.
الأمر الثالث: بحصرها في إطارها الزماني والمكاني.
الأمر الرابع: الاستفادة من لحظات الصفاء.
الأمر الخامس: تذكيره بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومطالبته بالتواصل مع الموقع، إذا كان ذلك ممكنًا، وإلَّا فدائمًا تكلّمي عن حُسن تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أهله، وأنه هو القدوة للرجال، ونسأل الله أن يُعينك على الخير.

ونحن نرجّح وندعوك دائمًا إلى الصبر، وعدم إظهار الضجر والضيق، وعدم إطالة فترة الخصومة بسبب أنه لا يُبادر.

إذًا من البداية أنت تأقلمي وتكيّفي وتعايشي مع هذا الوضع، حتى تُخففي الأضرار النفسية، فنحن إذا عرفنا طبع الإنسان ينبغي أن نُداريه، والمُداراة هي: أن نعامل كل إنسانٍ بما يقتضيه حاله، وإلَّا فقد يصعب علينا تغيير بعض الأشياء، وفي هذه الحالة يبدأ الإنسان باستخدام المداراة.

أكرر المداراة مطلوبة، وننصح بتفادي ما يُثير الغضب، ثم بعدم إطالة لحظات الغضب، ثم بفهم طرائقه في الاعتذار التي أشرنا إليها، وبعضهم قد يعتذر بالعطاء، بمعنى أنه بعد أن يُغضبك فيريد أن يُصالحك يأتي لك بأشياء ثمينة، أو بأكلات طيبة، أو بثياب جميلة، ونسأل الله أن يُعيننا على فهم بعضنا، وهذه من الإشكالات، لكن ينبغي للمرأة أن تفهم الرجال، ثم تفهم نمط شخصية زوجها حتى تُجيد التعامل معه، والعكس أيضًا مطلوب من الرجال، ونتمنّى أن يتواصل كل الرجال معنا حتى يسمعوا هذا التوجيه.

نحن نشكر لك هذا التواصل وهذا الحرص، ولأننا نريدُ مزيدًا من الحرص والخير فحافظي على بيتك، واجتهدي في إصلاح ما تستطيعين، ثم تكيّفي على بعض الأمور التي قد يصعب عليك تغييرها، ولا تُدخلي نفسك في حرجٍ وضيقٍ مع إنسان لا يتغيّر ولا يهتمّ بمثل هذه الأمور.

وندعوك إلى الاشتغال بعبادتك وطاعتك، وترتيب بيتك، وكل ما يُسعدك، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً