الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بسبب سوء فهم لم تعد صداقتنا كما كانت، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عندي صديقة صالحة جدّاً، أحبها، ولكن للأسف حصل بيننا سوء فهم، فأصبحت صداقتنا عادية بعدما كانت قوية ومتماسكة جدّاً، أعلم أني أخطأت، واعترفت لها بخطئي، وهو أنني تجاهلتها وأصبحت معها لا مبالية، وتعاملت برسمية لمدة أسبوعين، ولكن هذه كانت ردة فعل؛ لأنها انتقلت إلى صف آخر بإرادتها، ولم تفكر بي، فأتاني إحساس أني خسرتها ولم نعد كما كنا، ولم أكن أتوقع أن يحصل ذلك بصداقتنا، كما أن صديقتنا الثالثة أصبحت أقرب لها مني، لأنها انتقلت معها إلى ذلك الصف، وكنت في هذه الفترة جداً مضغوطة بالدورات والتحضير لامتحانات الجامعة، والضغط جعلني لا أفكر بردة فعلي هذه.

بعد أسبوعين، ونحن جالستان مع صديقاتنا، قالت لي: لماذا هذا التغير معي؟ وأنا صمتّ ولم أقل كلمة؛ لأنني لا أحب أن أجيب بين الجميع، أردت التكلم بيني وبينها، ولكن هي انزعجت؛ لأنني لم أقل كلمة (أنا أخطأت) أو أعترف لها بكل أخطائي.

بعدما أصبحت صداقتنا عادية جدّاً، والآن وصلت إلى الحد الأدنى بيننا، قالت لي: مع الأيام يمكن أن ترجع علاقتنا أقوى من قبل، لكن الآن لا يمكن أن أمثل بمشاعري تجاهك.

أنا الآن منهارة، ولم أتوقع صداقتنا أن تصل إلى هذا الحد، صديقتي جدًا أحبها، عثرت عليها بعد سنين صديقة صالحة، وتفهمني من كلمة، وإن أخطأت تقول لي: أعرف قصدك، ولكن خانك التعبير، نصلي سوياً، ونشجع بعضنا بالأعمال الصالحة دائمًا، والصيام في الأيام الفضيلة.
ما الحل لو سمحتم؟ لا أريد أن أخسرها، ماذا أفعل لتصبح صداقتنا قريبة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم بموقعنا

نصيحتنا أن تعملي بنصيحة صديقتك، وهي أن تبقى صداقتكم عادية في الوقت الحالي، ومع الأيام ستعود إلى وضعها السابق، وربما أفضل، كما عبرت لك صديقتك تمامًا.

لا داعي للاندفاع في علاقات الصداقة والوصول بها إلى ما فوق العلاقة الطبيعية، بل إن الوضع الطبيعي والصحي لأي صداقة ينبغي أن يبقى في حده المعقول، بحيث لو تم فقدان هذه الصداقة مستقبلاً فلن يؤثر عليك هذا الفقدان نفسياً، أما إذا كان قطع هذه الصداقة سيتسبب لك في انزعاج نفسي، أو اكتئاب؛ فإن هذه الصداقة ليست طبيعية! بل هي صداقة مرضية، وينبغي أن تكون هذه النقطة في ذهنك دوماً.

وهي أن تحرصي على بناء صداقات طبيعية لا صداقات عاطفية، ونعني بالصداقة العاطفية هي تلك الصداقة التي يحصل فيها تعلق، فلا ينبغي أن تتعلقي بأحد، حتى بوالديك اللذين هما أقرب الناس إليك، وإنما تبقى علاقتك بوالديك علاقة حب واحترام لا علاقة تعلق مرضي؛ لأن التعلق معناه: أنه بمجرد أن تفقدي أبويك أو تبتعدي عنهما أو عن أحدهما فإنك ستصابين باكتئاب أو حزن يعيقك عن أداء مهامك ووظائفك الحياتية، وهكذا مع الأصدقاء.

والله عز وجل أمر بالإحسان إلى الوالدين ولم يأمر بالتعلق بهما: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريمًا واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا).

فإذا كان هذا في حق الوالدين، فلا شك أن غيرهما من باب أولى، ويمكنك القراءة حول نظرية التعلق (لجون بولبي) وآخرين، حيث قسموا أنماط التعلق إلى أربعة أنماط بخصوص الأطفال والبالغين: تعلق آمن، وغير آمن، وغير الآمن يشمل ثلاثة أنواع قلقة:- متناقض، متجنب، مشوش، والمهم أن يبقى الشخص في المنطقة الآمنة، وهي المنطقة التي يستطيع الوثوق فيها بالآخرين، ولكنه لا يتعلق بهم بصورة سلبية.

ولعل العلاقة العاطفية المتوازنة مع الآخرين شرحها هذا الأثر المروي عن علي رضي الله عنه، قال: (أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا) فالتعلق المفرط يؤدي إلى ردة فعل مفرطة، والعكس صحيح.

نشد على يدك بالاحتفاظ بالصداقة مع الصديقة الصالحة، فالصديقة الصالحة ينطبق عليها وصف النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً). متفقٌ عَلَيهِ.

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً