الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بكرهي لأمي بسبب ضعف تقديرها لي وتفضيل الآخرين علي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عندي مشكلة مع أمي، كلما ظننت أنها حلت عادت الأمور من جديد، لدرجة أني صرت لا أحب أمي، وأحس بالكره مرات عديدة، ولكن أدفعه قدر المستطاع.

كنت أساعد أمي في الأمور المالية منذ الصغر، ممكن 90 في المية، وكنت أخبرها فقط بالأخبار السارة عني، وأتوكل على الله، وأستعين بالله في أموري كلها، ولأن إخوتي كانوا يأخذون وقتها بسبب مشاكلهم.

حفظت القرآن، وعلمني الله من التفسير، وأسمائه وصفاته، وتعودت على التوكل والاستعانة بالله، وصمت.

الآن أصبحت أمي تعاملني معاملة سيئة، وتفضل الآخرين علي، وتظن أني أفضل أبي عليها، وأنا لا أفضله، ولكن له حق علي أيضاً.

هي تسيء الظن بي كثيراً، وأحاول إسعادها، وفي نفس الوقت عدم ظلم أبي، وأحزن عندما أراها سعيدة ومبتسمة مع الآخرين وليس معي، ولكن أحمد الله أنها سعيدة على الأقل معهم.

مرات أرجو لو لم يكن لي والدان أهون بكثير من نزاعاتهما، وأحس أن الجنة صعبة المنال بسببهم، أنا قلقة من غضب الله.

أتوكل على الله، وأسدد وأقارب، فهل أنا عاقة إذا غضب أحدهما؟ أصبحت أحب العمل خارج البيت أكثر من البيت، وحتى إني أزور المسجد، وأكره بقائي في البيت مدة طويلة، وأخاف أن أغضب شخصاً أو أظلم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -بنتنا الفاضلة- في الموقع، نسأل الله أن يرزقك بر والديك، وأن يُلهمك السداد والرشاد، ونحيي فكرة السؤال، ونسأل الله أن يُعينك على الخير، وأن يثبتك على الخير.

لا يخفى على بنتي الفاضلة أن الصبر على الوالدين هو باب من أبواب البر، وإذا لم يصبر الإنسان على والديه وعلى أُمِّه فعلى مَن يكون الصبر، ونحن سعدنا لأنك ساعدت الوالدة، ولأنك قريبة من الوالد، ولأنك تجتهدين في البر، ولأنك حزينة عندما يتخلف ويتأخر هذا البر، وهذا كله دليل على الخير لديك.

نحب أن نؤكد لك أن البر عبادة لرب البريّة، وإذا أدّى الإنسان ما عليه من الناحية الشرعية فلن يضره بعد ذلك ما يحدث، وقد قال ربنا العظيم بعد آيات البر في سورة الإسراء: {ربكم أعلم بما في نفوسكم} في صدق البر والإخلاص، {إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوّابين غفورًا}، قال العلماء: في الآية عزاء لمن يقوم بما عليه من البر والإحسان ولا ترضى الوالدة أو لا يرضى الوالد.

عليه فنحن ندعوك إلى الاستمرار في بر الأب والمبالغة في إكرام الأم وبِرِّها، وليس من الضروري أن تُظهري وتتعمّدي إظهار بر الأب أمامها، فدائمًا مثل هذه الأمور خاصة لمَّا يكون بين الوالدين توتر، فقد لا يرضى الوالد أن تُكرمي الأم، ولا ترضى الأم أن تُكرمي الأب، لكن الشرع يدعوك إلى أن تُكرمي هذا وتُكرمي هذه، وتكون علاقتك بالوالد متميزة وجيدة، وتجتهدي إذا كنت قريبة من الوالدة أن تثني عليها وتمدحيها وتقبلي رأسها، كذلك عندما تجدين فرصة مع الوالد أن تُبالغي في إكرامه وتقبلي رأسه وتهتمّي به، هذا من الأمور المهمة التي أرجو أن تنتبهي لها.

كذلك لا ينبغي أن يظهر هذا الكُره وهذا النفور وهذا الضيق، اجتهدي في دفعه، وتعوذي بالله من شيطانٍ همّه أن يُحزن أهل الإيمان، فقومي بما عليك تجاه الوالدة، وحق الوالدة مُضاعف، وقومي بما عليك تجاه الوالد، واجتهدي دائمًا في بِرِّهما والإحسان إليهما.

وبما أن البر عبادة لله؛ فهو يحتاج إلى فقه، ويحتاج إلى صبر، والجنّة مهرها غالٍ، ولكن أنت -ولله الحمد- على طريق الخير، فاصبري على الوالدة، وأحسني إليها، واجتهدي في بر الوالد، واجتهدي دائمًا أيضًا في الإحسان إليهم جميعًا، وفي تشجيع العلاقات الإيجابية بينهم في نقل الكلام الذي يدل على الحب بين الأب وبين الأم، ونسأل الله أن يُعينك على الخير.

لا تتأثري بما يحدث من الوالدة، فإن التوترات داخل البيت بين الوالدين لها انعكاسات بلا شك على الأبناء والبنات، ونحن نعتقد أن مَن كتبت هذه الاستشارة، ومَن قدّمت هذا الخير، مَن ساعدت الأم ماليًّا، مَن كانت تُخبرها بالأمور السارَّة فقط حتى لا تُدخل عليها الحزن، وحتى لا تُحزنها؛ قادرة على تجاوز هذه الصعوبات، وكل هذا لونٌ من البر العالي والغالي الذي هداك الله تبارك وتعالى إليه، ونسأل الله أن يُعينك على الخير.

بقي أن نذكّر أن الذكور دائمًا في هذه المرحلة يميلون إلى الأم، والإناث يملن إلى الأب، هذا طبيعي، وهي طبيعة مرحلية، لأن الأولاد الذكور يقتربون من أُمّهم حتى يأخذوا صورة تقريبية من المرأة التي سيُكملون معها مشوار الحياة، والبُنيّات يقتربن من الأب حتى يأخذن صورة تقريبية ممن يكملن معه مشوار الحياة، ولكن بكل أسف لعدم فهم الآباء والأمهات في هذه المسألة قد تحدث حساسية، فتجد الأم نافرة من بنتها التي تقترب من الأب، وتجد الأب نافراً من الأولاد الذكور الذين يقتربون من الأم، فنسأل الله أن يُعيننا على فهم خصائص المرحلة العمرية، وأن يُلهمنا السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادر عليه.

أرجو أن تكوني مع الوالدة، واعلمي أن وجودك في البيت مع الصبر أحسن من ذهابك لأي مكانٍ آخر أو الهروب من البيت، وتذكري أن الصبر لونٌ من البر كما أشرنا في البداية، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً