الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من نسيان شديد وضعف استيعاب لا أستطيع تحديد سببه

السؤال

السلام عليكم.

أتمنى لكم التوفيق الدائم.

أعاني من نسيان شديد منذ ٩ سنوات، لا أستطيع معرفة سببه، عند الاستيقاظ في الصباح وأداء بعض الواجبات لا أستطيع تذكر أي تفاصيل من الصباح عند وقت الظهر مثلاً، وعندما أحاول تذكر ما حدث في اليوم السابق أشعر وكأنه بعيد جدًا في ذاكرتي، وأي يوم قبل اليوم السابق لا أستطيع تذكره أبدًا.

أشعر أيضًا بضعف شديد بالاستيعاب، حيث إن النسيان، وضعف التركيز أثرا على كل حياتي من حيث الدراسة والعمل، ولا أستطيع أداء واجباتي اليومية بشكل طبيعي، وأشعر برجفة وضعف شديد في جسمي عند أداء أي جهد، علمًا أني أجريت تخطيطًا للأعصاب وصورة MRI للدماغ، وكانت أيضًا سليمة.

أخذت أنواعاً عديدة من الفيتامينات وصفها لي الأطباء دون فائدة، وأيضًا وصف لي أحد الأطباء مضاد اكتئاب اسمه citalobram، أيضًا دون فائدة، كنت أشعر بهدوء شديد، ولكن عقلي غير نشيط أبدًا، وعند النوم لو نمت ساعات كثيرة، أو قليلة، دائمًا أشعر بكسل شديد وتعب وعدم الشبع من النوم.

أتمنى أن تساعدوني، شكرًا جزيلاً، ولا أراكم الله مكروهاً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

النسيان أو ضعف التركيز في مَن هم في مثل عمرك غالبًا يكون سببه الإجهاد النفسي، وحتى الإجهاد الجسدي قد يكون أيضًا سببًا، وأنت بالفعل تشتكي من إجهاد جسدي، حيث إنك ذكرتَ أنك تشعر برجفة وضعف شديد في جسدك عند أداء أي جُهدٍ، وطبعًا ظهور الإجهاد أيضًا – إذا كان جسديًا أو نفسيًّا – ربما يكون سببه اكتئابًا نفسيًّا من النوع البسيط، لكنّه يكون اكتئابًا مُقنَّعًا، ولا يظهر في شكل عُسْرٍ في المزاج أو شعورٍ بالكرب والكآبة، إنما يظهر في شكل ضعفٍ في التركيز.

أخي الكريم: إن شاء الله كما تفضلتَ كل فحوصاتك طبيعية، لكن لا بد أن تتأكد من مستوى فيتامين (د)، وفيتامين (ب12)، ووظائف الغدة الدرقية، وكذلك المغنسيوم، هذه على وجه الخصوص يجب التأكد منها؛ لأن أي خلل فيها قطعًا يُؤدي إلى ضعف شديد في الطاقات النفسية والجسدية، وينشأ عن كل ذلك ضعف في التركيز.

من الضروريات المهمّة جدًّا - بعد التأكد من سلامة الفحوصات -: أن يُدير الإنسان وقته، أن يكون هنالك اهتمام بإدارة الوقت، والنقطة الجوهرية -بل الأساسية والمركزية في إدارة الوقت- هي أن تبدأ بالنوم الليلي المبكّر، وأن تتجنّب السهر على الإطلاق، النوم الليلي المبكّر يُؤدي إلى تحسُّنٍ كبير في النواقل العصبية، وهي التي تحمل المواد والهرمونات الضرورية للجسد والتي تُحسّن التركيز، والإنسان حين ينام مبكِّرًا يستيقظ مبكِّرًا نشطًا طيب النفس، ويصلي صلاة الفجر في وقتها، ولا شك أن الصلاة ذاتها تُحسّن من التركيز؛ لأن الإنسان لا بد أن يكون خاشعًا في صلاته، وخشوعه في الصلاة يبدأ في التركيز فيما يقوله الإنسان من تلاوة ومن ذكر وتسبيح، وتلاوة القرآن أيضًا أحد الوسائل الضرورية جدًّا لتحسين التركيز. فإذًا النقطة الأولى هي أن تتجنب السهر.

النقطة الثانية: أن يكون الغذاء متوازنًا يحتوي على كل عناصر التغذية السليمة.

والنقطة الثالثة: أن تمارس الرياضة؛ لأن الرياضة تؤدي إلى نشاط في كل أجهزة الجسد، وتؤدي إلى نشاط في القلب، والقلب من وظيفته ضخ الدم في الجسد حتى يصل إلى الدماغ، والدماغ يكون في حالة نشاط واستيعاب بإذن الله تعالى.

والنقطة الرابعة أخي: أن يكون هنالك إعمال للتفكير وللعقل وللذاكرة من خلال القراءة، القراءات الطيبة، القراءات الجميلة، قراءة القرآن كما ذكرنا، هذه مهمّة جدًّا.

عليك أيضًا بتطبيق تمارين الاسترخاء، تمارين التنفُّس التدرُّجي، هذه من الضروريات لتحسين التركيز؛ لأن الإنسان حين يكون مسترخيًّا نفسيًّا وجسديًّا سوف يكون انتباهه مع ذاته أفضل، وحين ننتبه لذواتنا يكون التركيز أحسن.

كذلك أن تقرأ قطعاً صغيرة وتقوم باستيعابها، ثم تُناقش مثلاً أحد الأصدقاء أو الزملاء أو أحداً من أهل بيتك حول هذا الذي قرأتَه، حاول أن تتابع ما يقوله الناس حين تكون جالسًا معهم. وحاول – أخي الكريم – أن تكون مستمعًا جيدًا، هذا كلّه يُحسِّنُ التركيز.

بالنسبة للعلاج الدوائي: الطبيب الذي أعطاك الـ (اسيتالوبرام Escitalopram) أعتقد أنه قد أحسن الاختيار؛ لأن مضادات الاكتئاب جيدة في هذه الحالات، لكن الدواء الأفضل هو الـ (بروزاك Prozac)، أو ما يُعرف علميًا بـ (فلوكسيتين Fluoxetine)؛ لأنه يُحسّن من اليقظة الجسدية واليقظة النفسية عند الإنسان، فتناول البروزاك بجرعة عشرين مليجرامًا يوميًا لمدة ستة أشهر؛ أعتقد أن ذلك سوف يكون فيه فائدة كبيرة لك، وهنالك دواء آخر يُعرف تجاريًا باسم (نوتروبيل Nootropil) واسمه العلمي (بيراسيتام Piracetam) تتناوله بجرعة أربعمائة مليجرام صباحًا ومساءً لمدة ثلاثة أشهر، ثم أربعمائة مليجرام صباحًا لمدة شهرٍ، ثم تتوقف عن تناوله.

إذًا – أيها الفاضل الكريم – هذه رزمة كاملة من الوسائل التي إنْ طبّقتها بإجادة والتزام سوف تكون إن شاء الله تعالى على خير من ناحية التذكُّر.

وختامًا أقول لك: {واذكر ربك إذا نسيت}، {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم}، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً