الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أجبرني أهلي على الزواج برجل كبير لا أحبه وأفكر في الطلاق

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

أجبروني أهلي على الزواج برجل كبير في السن، ولم أكن أعرفه، ولست قابلة بالزواج، ولكن الأهل ضغطوا علي، وكنت مسبقًا أعطيت عهدًا لرجل آخر، وكنا نخطط للزواج نهاية هذا العام حتى انتهي من الامتحانات، والمشكلة أني لا أطيق العيش معه لا أتحمله، فهل يمكن أن أتسبب في طلاقي أم ماذا أفعل؟

أتمنى المساعدة فضلاً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك ابنتنا الكريمة في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يُقدّر لك الخير حيث كان ويرضّيك به.

اختيار الزوج ينبغي أن يكون برغبة الفتاة وألَّا يُغفل رأيُها في ذلك، وإن كان كثير من الفقهاء يرى بأن الأب له أن يُجبر ابنته البكر على الزواج بمن يراه صالحًا لها، وذلك باعتبار أن الأب يكون أرحم بابنته مع علمه بالحياة وأهلها، ويعنيه جدًّا مستقبل ابنته وحياتها، ويكونُ حريصًا على ما ينفعُها، ولهذه الاعتبارات كلها أعطاه الشرع في نظر هؤلاء الفقهاء حق الإجبار لابنته البكر التي تقلُّ خبرتها غالبًا بسبب عدم تجربتها السابقة.

هذا الكلام نقوله – أيتها البنت العزيزة – حتى تعذري والدك إذا كان الباعث له على هذا الإجبار هو هذه المعاني، وعلى كل حال فأنت الآن قد تزوجت، فإذا كنت تستطيعين التكيُّف مع زوجك دون نفور شديد يمنعك من القيام بحق الزوج والوقوع في معصية الله تعالى بمخالفة أوامره وارتكاب محارمه، إذا كان النفور لا يبلغ هذا المقدار، فنصيحتنا لك ألَّا تفارقي زوجك، فإنك تتركين شيئًا حاصلاً إلى شيءٍ مجهول، والمسلم مأمور بأن يحرص على الشيء النافع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ) وربما كره الإنسان شيئًا والله تعالى يعلم أن الخير له فيه، وليست كل البيوت تُبنى على الحب، وإنما في كثير من الأحيان تُبنى على الرعاية والتذمُّم، كما قال عمر رضي الله تعالى عنه فيما يُروى عنه.

فإذا كان الزوج يرعى حقك ويراقب الله تعالى فيك، وتجدين حقوقك موفرة، فنصيحتُنا لك بأن لا تفكري في فراقه والطلاق، أمَّا إذا كنت تجدين في نفسك نفورًا تامًّا، وقد تقعين في التقصير بحقوق هذا الزوج ومعصية الله تعالى، فهذا من المسوّغات والمبررات لطلب الطلاق، فيجوز لك أن تأخذي بالطلاق وأسبابه عند وجود هذا العذر، ولكن إذا كان المهر معك، فمن حق الزوج أن يسترد المهر في هذه الحالة، وإذا كان المهر بيد أهلك فإنه سيطلب حقه ويعود عليهم، وليس عليك إثمٌ في ذلك.

فخلاصة الكلام أنه يجوز لك أن تتسبّبي وتأخذي بأسباب الطلاق إذا كانت النفرة من هذا الزوج بلغت الحد الذي ذكرتُه لك سابقًا، وهذا ما حصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم زوجة أحد الصحابة، امرأة ثابت بن قيس، وقالت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ) يعني أكره أن أقع في سوء العشرة مع الزوج ونقصان حقه ونحو ذلك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟)، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)، هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

نسأل الله تعالى أن يقدّر لك الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً